أزاح تجديد رئيس الحكومة سعد الحريري ربط النزاع السياسي مع حزب الله ومنحه غطاء إستثنائيا إبان عملية الضاحية وفي ضوء الرد في أفيفيم، بعضا من إنطباعات سلبية تركتها زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، في ضوء مجموعة من المعطيات التي جرى جمعها في سياق تقويم مسار الزيارة.
في الأصل، سُجّلت الشبهة من لقاءات واشنطن بسبب:
أ- تغييب السفير في واشنطن غابي عيسى عن كل المحادثات، مع ما يعني ذلك من غياب مقصود لوزارة الخارجية.
ب- اللقاء في مزرعة الحريري في ضواحي واشنطن مع وزير الخارجية مايك بومبيو، والذي أُسبغ عليه طابع عائلي حميم، ونُظر اليه على أنه إستكمال للقاء في وزارة الخارجية.
ج- حديث رئيس الحكومة عن ضرورة الانتقال الى المرحلة الثانية – الحاسمة من تطبيق القرار 1701، أي من وقف الأعمال العدائية الى وقف إطلاق النار، مع ما قد يعني من محادثات وترتيبات لبنانية – إسرائيلية (لو غير مباشرة) تثير حكما حساسية مطلقة لدى الحزب.
د- ما سمعه من كلام عن عقوبات تستعد واشنطن لفرضها على مسؤولين ورجال اعمال لبنانيين.
هـ- كلام وصل الى بيروت عن «موقف مائع» حين تم التطرق الى أحد المسؤولين بالإسم في سياق الحديث عن العقوبات.
و- العقوبات المفاجئة على «جمال تراست بنك» من خارج السياق العام، وبصفته إحدى الحاضنات الرئيسة للبيئة الشيعية، وعنصرا من عناصر الحماية الاجتماعية – المالية لها.
ز- تزامُن العودة الى الـ1701 مع إشتداد الخناق الأميركي على ايران وأذرعها، بالتوازي مع الاستعداد الأميركي للإعلان عن خطة السلام (صفقة القرن)، مما أسهم في زيادة الشبهة لدى حزب الله من إمكان وجود من يسعى الى اخذ لبنان الى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بذريعة الـ1701 والترسيم مقدمة للتنقيب عن النفط والغاز.
ما حصل أن تل أبيب، من غير أن تقصد او ربما تدري، أعادت خلط كل الأوراق يوم قررت إنزال الدرونز في الضاحية. هي لم تغيّر فحسب قواعد الاشتباك المنظَّمة دوليا منذ آب 2006، بل دثرتْ (أو كادت) القرار 1701، مما حتّم مسارعة حزب الله الى جبْه محاولة تغيير تلك القواعد لمنع تكريس أخرى جديدة على غرار غاراتها الجوية والصاروخية في كل من سوريا والعراق.
عجّل الخرق الإسرائيلي في أهمية إعادة الإعتبار الى هذا القرار الدولي، فيما لم يكن في مستطاع حزب الله تسجيل اعتراض او تحفظ على محاولة إحيائه، وتحديدا من باب ما أراده الحريري وأثاره في واشنطن، أي الانتقال الى وقف (دائم) لإطلاق النار، الامر الذي منح رئيس الحكومة ورقة قوية للسير في هذا الخيار، متخطيا تحفظات الحزب إبان الزيارة الأميركية. وتاليا، أثبتت الأحداث الأخيرة أن القرار الدولي لا يزال يشكل مظلة واقية ومساحة معتبرة لإمتصاص الصدمات، رغم آلاف الخروق التي أصابته على إمتداد الأعوام الـ13.
في هذا السياق، لا يمكن التغاضي عن الإرتياح الذي يبديه حزب الله تجاه آليات العمل التي يعتمدها رئيس الحكومة في ما خص الخلاف الثنائي، وهو زاد أخيرا بعد الكلام الذي أورده الحريري في مقابلته التلفزيونية وتشخيصه مشكلة حزب الله على انها إقليمية تخرج عن السياق المحلي، وتاليا لا مفرّ من التعايش معه. أما حديث العقوبات فلا يزال يشكّل عامل ريبة عند الحزب وحلفائه، بصرف النظر عما أتى عليه موقف الحريري أمام محدثيه الأميركيين.
سبق للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أن تناول مسألة العقوبات، وتحديدا تلك التي يقال أنها ستطال سياسيين ورجال اعمال مسيحيين، واصفا بالخائن من يروج لها محليا. هذه العقوبات بات واضحا أن أطرافا لبنانية تنتظرها على أحر من جمر وفي ذهنها أنها السبيل الى تغيير المعادلة الداخلية، وإستطرادا الانتقام من التفاهم الرئاسي الذي أرسى أسس الحكم ونظّمه، بما يوفّر لها الفرصة لبدء تغيير تدريجي في توازنات الحكم وصولا الى الإنقلاب الكلي مع حلول انتخابات سنة 2022.
الثابت أن الحكومة اللبنانية لن تكون عرضة لأي إجراء عقابي أميركي، وفي إعتقاد واشنطن أنها بذلك تضمن إستمرار الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب لعدم فرط الدولة. لكن من قال ان الإستهداف الأميركي لسياسيين مسيحيين، وزراء على وجه التحديد، ستنجو الحكومة من تأثيره ومضاعفاته؟
المصدر : ام تي في