لم يكن كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري امام نواب الاربعاء عبثا او من فراغ، «بأن هناك حرباً حقيقية تمارس ضد لبنان وضد كل اللبنانيين». ومع إن الرئيس المتابع لكل التفاصيل المحلية والاقليمية لم يحدد طبيعة هذه الحرب ولا اسبابها ولا اهدافها، إلا ان مواقفه السابقة ومسار الاحداث خلال الاشهر الماضية السياسية والامنية والاقتصادية والمالية، يشي بأن الاستاذ في السياسة والتقاط الاشارات والرسائل، يستبطن مخاوف شتى على لبنان، بعضها من بعض سياسييه وممارساتهم، واغلبها من الخارج حيث تُشن الحرب على لبنان تحت اكثر من شعار وسبب وهدف، بحجة محاربة الارهاب، ولسبب ضمان امن واستقرار اسرائيل ولو على حساب مصالح كل العرب بمن فيهم لبنان.
ولعل اخطر مافي كلام الرئيس بري، انه يعيد الذاكرة السياسية سنين قليلة الى الوراء، حول ما سبق وأُثير عن «الحرب الناعمة» التي تشنها اسرائيل وبدعم اميركي وغربي على المحور المناهض لها لا سيما ايران و«حزب الله»، بعدما فشلت الحروب العسكرية برغم خطورتها واثارها المدمّرة، في إخضاع المحور المناهض، والتي تتخذ الان نوع الحرب الاقتصادية والمالية عبر الحصار والعقوبات، لأن اثار هذه الحرب تطال كل فئات الشعب في كل دولة مستهدفة.
وفي إطار هذه «الحرب الناعمة» تضع جهات سياسية موضوع العقوبات الاميركية على بعض المصارف والاشخاص اللبنانيين، ومن الطائفة الشيعية تحديداً، بحجة دعم «حزب الله» مالياً، إضافة الى شخصيات من بعض الاحزاب الحليفة، وثمة من يضع ايضا تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني الاميركية للوضع المالي والاقتصادي اللبناني في اطار هذه الحرب، واخرها تقر يرمؤسسة «ستاندر اند بورز غلوبال»، التي حذّرت من «ان لبنان قد يواجه خفضاً جديداً للتصنيف الائتماني، واختباراً محتملاً لربط عملته إذا تسارعت وتيرة استنزاف احتياطاته المحدودة من النقد الأجنبي». وهناك استغراب لتوالي تقارير مؤسسات التصنيف كل فترة وخلال فترات قصيرة غير متباعدة، وكأن لا عمل لها إلا مراقبة الوضع اللبناني، ما يثير الريبة، خاصة بعد الموقف الرسمي اللبناني الموحد من الاعتداء الاسرائيلي على لبنان بالطائرات المسيّرة، والذي اكد على حتمية ردع اي عدوان، وبعد تصدي الجيش اللبناني لطائرات الاستطلاع التي اخترقت سماء الجنوب مؤخرا.
اضافة الى ذلك، هناك التسريبات والتصريحات الاميركية والاسرائيلية الاخيرة عن وجود مصنعين للصواريخ الدقيقة في بلدة النبي شيث البقاعية وفي منطقة اخرى، وإعلان موقع «ديبكا» الإسرائيلي أن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أرسل رسالة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، حذره فيها «من أن على لبنان أن يفكك مصنع الصواريخ الدقيقة رقم 2 فوراً أو ستقوم إسرائيل بالهجوم عليه، وستدعم الولايات المتحدة هذا الهجوم».
وقال الموقع: إن الرسالة سلمت إلى وزير الخارجية جبران باسيل، ولم يتم نقلها بالوسائل الدبلوماسية العادية للسفارة الأميركية في بيروت، بل أرسلت مباشرة إلى الوزير باسيل، وطلب منه إيصال محتواها إلى أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، مع ان نصر الله نفى في آخر كلمة له في مجالس عاشوراء وجود مثل هذه المصانع وقال: انه لو كان الحزب يملكها لكان اعلن عن ذلك.
وفي تقدير المتابعين والمحللين فإن هذه التسريبات والمعلومات تلي التحضير الاسرائيلي – الغربي لشيء ما جديد ضد «حزب الله»، خاصة مع زيارة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نانياهو الى لندن ومعه قائد القوات الجوية العام الجنرال أميكام نوركين، ورئيس إدارة العمليات الجنرال أهارون هاليفا، بهدف وضع الحكومة البريطانية في هذه المعلومات عن مصانع الصواريخ الدقيقة وتقرير الموقف والاجراء المناسب.
ولكن مصادر مقربة من الوزير باسيل نفت لـ«اللواء» نفياً قاطعاً تلقي الوزير اية رسالة من الوزير بومبيو بهذا المعنى، ووضعتها من ضمن الحرب النفسية والشائعات التي تبثها اسرائيل ضد لبنان، وضد اي شخصية رسمية او سياسية تتولى الدفاع عن مصالح لبنان وسيادته ضد اعتداءات اسرائيل. وابدت اسفها «لأن تتولى بعض الاطراف اللبنانية تبني او تسريب معلومات او أجواء او شائعات وترويجها عند الاميركيين بهدف عزل جبران باسيل وتطويقه سياسياً بسبب مواقفه الداعمة لحق مقاومة اي اعتداء اسرائيلي».
الى ذلك، ثمة من يتوقع ان تمتد «الحرب الناعمة» فصولاً بمزيد من الضغوط على لبنان، إن لم يستجب للمتطلبات الاميركية الداعمة لإسرائيل، ولعل العقوبات على المصارف والشخصيات هي جزء من هذا السيناريو الطويل، على ابواب الانتخابات الاسرائيلية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية الاميركية، من بوابة الحرب على ايران وحلفائها، خاصة بعد الانتكاسات والتراجعات التي مني بها نتنياهو والرئيس الاميركي ترامب في اكثر من مكان، وتراجع شعبيتهما.
وفي عودة الى صرخة الرئيس بري، فهي ايضا تحمل الحلول لا التحذيرات فقط، حيث قال: انه في إمكان لبنان الخروج من حالة الضغوط هذه، في ما لو تم تطبيق ما تم الإتفاق عليه في اجتماع القصر الجمهوري، خصوصاً البنود التي حظيت بموافقة الجميع من دون إستثناء. مشيراً الى ان الأمر نفسه ينسحب على سائر القوانين الخمسين التي لم تنفذ حتى الآن.
المصدر : ام تي في