قال رئيس الحكومة سعد الحريري كلمتَه ومشى «لا استقالة»، وردّ الشارعُ بصوتٍ واحد «الشعب يريد إسقاط الحكومة و… النظام». معادلةٌ صعبةٌ ارتسمتْ أمس في اليوم الخامس من «الثورة البيضاء» التي انفجرتْ في لبنان من قلْب الأزمة المالية – الاقتصادية الخانقة التي يعيشها وبوجه كل القوى السياسية وأدائها الذي اقتاد البلاد إلى حافة الانهيار.
ومع سقوطِ الرهان، أقلّه يوم أمس، على أن يتعبَ «الثوار» الذين لم يتركوا الساحات من وسط بيروت، إلى جبل لبنان، والشمال والجنوب والبقاع، ورسَموا لوحاتٍ مبهرة من الطوفان البشري الذي ناهَزَ الأحد الـ 1.7 مليون نسمة، تزايدتْ الأسئلة حول «الخطوة التالية»، للسلطة التي تعتبر أنها قامت بما عليها عبر إقرار ورقة إصلاحية إنقاذية ومشروع موازنة (لسنة 2020) بعجز يناهز صفر، كما للحِراك الذي يقف أمام تحدّي القدرة على «الصمود» في ظل غياب أطر تنظيمية واحدة وبرنامج أولويات واضح.
وفيما حمَلَ الجوابُ السريع لـ«أبناء الانتفاضة» على كلمة الحريري بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء والذي تجلّى في التهافت إلى وسط بيروت بعد «استرخاءٍ» حتى أولى ساعات بعد الظهر إشاراتٍ صريحةً إلى أن «شعلة الثورة» ما زالت متوهّجة، فإن الأنظار اتجهت إلى مآل «التوازن السلبي» الذي بات يحكم البلاد بين السلطة والشارع، والأهمّ إلى ما إذا كانت الطبقة الحاكِمة ستكتفي بترْك الحِراك يأخذ مداه على أمل أن يستنزف طاقاته وإصرارَ المنخرطين فيه أم أن بعض أطرافها سيلجأ إلى تخريبه عبر افتعال إشكالات أو الزج بمندسّين لإطلاق طروحات انقسامية من شأنها تشويه شعارات الثورة وعناوينها الجامعة حتى الساعة.
ورغم رسْم الرئيس الحريري ما يشبه «خط الدفاع» عن المتظاهرين وحقّهم بالاستمرار في تحرّكهم السلمي ورفْض أي قمْع لهم، فإن ما عزّز الخشية من سيناريو «تفخيخي» للحِراك بروز بعض المَظاهر صباح أمس اعتُبرت بمثابة «تمرين تخريبي» أثار مخاوف من «نسخة مُطَوَّرةٍ» منه ليلاً وخصوصاً في ساحتيْ رياض الصلح والشهداء اللتين تُعتبران «قلب الانتفاضة» وعقْلها، إلى جانب الاحتجاجات التي لا تقلّ زخماً في طرابلس التي بدت وكأنها «عروس الثورة» وصور التي تثور من خارج كل التوقّعات والنبطية التي لبّت نداء التغيير، وجبل لبنان المسيحي والدرزي الذي «يزحف» إلى الساحات، وبعلبك التي عادت إلى «تحت الشمس».
وعلى أهمية المقررات التي خلص إليها مجلس الوزراء والتي جاءت ضمن مهلة الـ 72 ساعة التي كان حددها الحريري لشركائه في الحُكم للسير بورقةٍ تحاكي تطلعات الناس وتلبي شروط المجتمع الدولي للإفراج عن مخصصات مؤتمر «سيدر» وتالياً تفادي لجوئه إلى الاستقالة، فقد بدا وهج الشارع «المليوني» أقوى من مضمون ورقة الإصلاحات وخريطة الطريق التي حدّدتها الحكومة لإعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي.
وإذ اعتبرت أوساط سياسية أن ما قامت به الحكومة أمس يصعب أن يكون كافياً للجْم اندفاعة الشارع، الذي أصابت احتجاجاته الجارفة الائتلاف الحكومي ومكوّناته التي بدت كأنها تسير على «أرض رخوة» شعبياً، ولا سيما فريق عون والرئيس الحريري وحتى الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، فإن جلسة مجلس الوزراء أمس شكّلت مؤشراً واضحاً إلى حجم الأضرار التي لحقت بالحكومة التي أصيبت بتفسخات لا يُستهان بها، بدءاً باستقالة وزراء «القوات اللبنانية» الأربعة، وصولاً إلى الأجواء غير المُريحة إطلاقاً التي سادتْ مداولات أول اجتماع وزاري «ما بعد الثورة».
وقد تقاطعتْ المعلومات عند أن جلسة الأمس، التي بدأها عون بتأكيد أنّ «ما يجري في الشارع يُعبّر عن وجع الناس، ولكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير»، شهدتْ أجواءَ بالغة التوتر ولا سيما على خلفية «الجبهة المفتوحة» بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» (بزعامة وليد جنبلاط) وبين فريق عون وتحديداً وزير الخارجية جبران باسيل الذي برزتْ «هجمةً» ثلاثية عليه عكستْ تحميلاً ضمنياً ومباشراً له مسؤولية ما آل إليه الواقع المأزوم.