لم تَكَد بيروت أن تَخْرُج من «نَفَق الأربعين يوماً» الذي دَخَلتْه مع «حادثة البساتين» (عاليه في 30 يونيو) بفعل تسويةٍ اضطرارية منعتْ انزلاق الأزمة السياسية إلى «الأسوأ»، حتى «عاجَلَها» استحضارُ «حزب الله» العاملَ الاسرائيلي عبر قرع «طبول حربٍ» أعلن أن «العدو يتهيأ لشنّها علينا، إلا أن المقاومة جاهزة لملاقاته وعليه أن ينتظر شللاً لكيانه ووضْعاً لمصير كيانه على المحك (…) وسنلقّنه درساً يهدّد وجوده».
وتحوّل هذا الموقف الذي أَطْلَقَه رئيسُ كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الأحد، مادةً لـ«التحري» عن خلفياته وأبعاده، في الوقت الذي يَمْضي لبنان في لملمة ما كان وَصَفه رئيس البرلمان نبيه بري بـ«حال الهلع» في البلاد التي رافقتْ «أزمة البساتين» ولاحت مؤشراتُها في الأسواق المالية، وهو ما شكّل أحد العناصر التي أَمْلَتْ الإسراع في إيجاد مَخارِج «تَصالُحية تَصارُحية» بدا أنها أرجأتْ معركة كسْر زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى «جولاتٍ أخرى» وخصوصاً بعد «خط الحماية» الذي رَسَمَتْه واشنطن بإعلانها «نحن هنا» عبر بيان سفارتها الذي عاود تظهير أن لبنان وتوازُناته موجود بقوة «على الرادار» الأميركي في غمرة المواجهة الكبرى مع إيران وأذرعها وفي مقدّمها «حزب الله».
وتوقّفت أوساط سياسية عند أن استعادة «حزب الله» لـ«خطاب الحرب» ترافقتْ مع «اندفاعة مُوازية» مُمَنْهَجة (على لسان قادة في الحزب) على خطّ الهجوم العنيف على بيان السفارة، مستعيداً لغة «الأدوات الأميركية» ومعتبراً «ان البيانات والاتصالات الأميركية بشخصيات لبنانية لن تغيّر من الأحجام والتوازنات والمعادلات الداخلية بشيء».
وإذا كان «الشق الأميركي» في كلام الحزب بدا في سياق تأكيد أن صعوباتٍ ما زالت تعترضُ حصولَ لقاء بينه وبين جنبلاط، تَردَّد أن بري يعمل عليه بما يرفد «صلحة البساتين» بـ«دفاعاتٍ» ولا سيما بعدما اعتبر الزعيم الدرزي أن محاولات عزْله ليس بعيداً عنها الحزب (وفريق الرئيس ميشال عون والنظام السوري) إلى جانب انطوائها على «رسائل مشفّرة» إلى رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وصل إلى الولايات المتحدة ويلتقي مسؤولين كباراً فيها الخميس، فإن موقفَ رعد اعتُبر من الأوساط السياسية في إطار واحد من أمريْن: إما أنه مرتبطٌ بالكلام حول مشاركة إسرائيل في التحالف الذي تعمل الولايات المتحدة على إقامته لضمان أمْن الملاحة البحرية في مياه الخليج ومضيق هرمز وهو ما هدّدت طهران بالتعامل بالقوّة معه، وإما أنه في إطار «تهويل» للاستخدام الداخلي على مشارف مرحلةٍ يفترض أن تشهد متابعةً لسلسلة ملفات مالية – اقتصادية إلى جانبِ محاولةِ استكمالِ «تنقية الأجواء السياسية» بعد الندوب الكثيرة التي تركتْها الازمة الأخيرة في العلاقات بين أكثر من طرف، ناهيك عن المناخات التي تشي بأن «صدمةً» جديدة من العقوبات الأميركية، التي كانت توسّعت أخيراً على «الذراع السياسية» لـ«حزب الله» (شملت رعد ونائباً آخَر في الكتلة)، باتت قريبةً وسط ترجيحات بإمكان أن تشمل أيضاً حلفاء للحزب في لبنان.
وستحضر العقوبات ومجمل الوضع اللبناني في المحادثات التي يُجْريها الحريري بعد غد مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومسؤولين آخَرين (لم يُكشف كل جدول اللقاءات رسمياً) بعدما كان وصل أمس إلى قاعدة أندروز الجوية على أن تسبق لقاءاته الرسمية انشغالاتٌ خاصة.
وتترقّب بيروت باهتمام نتائج زيارة الحريري بعدما تقاطعت المعطيات عند أنه أمام مهمة غير سهلة لجهة إقناع الإدارة الأميركية، «المستنفَرة» لتقويض نفوذ إيران وقطْع «الشرايين المالية» لـ«حزب الله» وتقليص أدواره العابرة للحدود وتأثيره في المؤسسات اللبنانية، بالإبقاء على سياسة «الفصْل» بين الدولة والحزب وموجبات هذه السياسة وبتَفادي توسيع العقوبات بما قد يصعّب من القدرة على الحفاظ على «خيط الاستقرار» المعرّض للمخاطر الكبرى من الزاوية المالية، وسط أسئلةٍ حول إذا كان رئيس الحكومة سينجح في العودة بدعْم متجدّد للبنان يُبْقي على منسوب المساعدات للأجهزة الأمنية والجيش وعلى الزخم المطلوب كي ينطلق «القطار التنفيذي» لمؤتمر «سيدر» الذي اعتُبرت موازنة 2019 التي أُقرت أخيراً خطوة رئيسية في اتجاه الالتزام بـ«دفتر شروطه» الإصلاحي، إلى جانب الاسترخاء السياسي الذي يفترض أن تكون وفّرته «تسوية البساتين» بما يتيح استكمال المسار الاصلاحي وإنجاز تعيينات ضروريةٍ وبتّ ملفات أخرى عبر الحكومة التي خرجتْ من «الأسْر» يوم السبت الماضي.