بقلم : الأستاذة جويل خالد طبّو
الحائزة على ماجستير إدارة مؤسسات تربوية، وأخصائية في علم القيادة من جامعة هارفرد وهي كاتبة وناشطة في الشأن التربوي والاجتماعي.
أناشد فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية،
ودولة رئيس مجلس النواب،
ودولة رئيس مجلس الوزراء،
والمراجع الروحية العليا كافة،
وخاصة دار الفتوى، والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، والمجلس الماروني، وسائر القيادات الروحية في لبنان،
أن يتدخلوا فورًا لوقف هذا الانحدار التربوي الخطير الذي تتعرض له مدارسنا ومناهجنا وأبناءنا، من خلال مشاريع ظاهرها “التطوير” وباطنها تفكيك ما تبقى من هوية هذا الوطن وقيمه وثوابته الأخلاقية والدينية.
ففي الوقت الذي يتخبط فيه لبنان في أزمات لا تُعدّ ولا تُحصى، وبينما ينتظر الناس أن تنهض وزارة التربية بمسؤوليتها لانتشال التعليم من الانهيار، نفاجأ بتدريب نظمه المركز التربوي للبحوث والإنماء التابع لوزارة التربية والتعليم العالي، تحت عنوان “إدماج المهارات ،الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي”، مستهدفًا المعلمين والمعلمات المشاركين في إعداد المناهج التربوية، ليحمل في جوهره ما لا يمكن قبوله لا دينيًا، ولا وطنيًا، ولا تربويًا.
خدعة الاستبيان وفضيحة الاستهداف
إحدى أكثر القضايا خطورة كانت نشر الوزيرة ر.ك استبيانًا على المنصات الرسمية يتضمن سؤالًا عن الهوية الجنسية بصيغة “ذكر – أنثى – أفضّل ألا أقول”. وعندما ثارت الضجة، حاولت سحب الاستبيان بحجة أنه “لم تقصد هكذا موضوع”! واليوم، يتضح أن ما حدث لم يكن خطأً، بل كان جس نبض للرأي العام، تمهيدًا لتمرير مخطط ممنهج يهدف إلى تدمير النسيج التربوي والديني والاجتماعي في لبنان.
الملف التدريبي الذي أعدّته الوزارة بإشراف الوزير السابق عباس الحلبي واستكمل في عهد الوزيرة ر.ك، لا يمكن وصفه إلا بكونه قرارًا تدميريًا للتربية اللبنانية.
لقد تضمن هذا الملف مفاهيم صادمة وغريبة عن مجتمعنا، منها: التشجيع على العلاقات الجنسية قبل الزواج، الترويج لمواضيع غير لبقة، الحديث عن الخيارات الجندرية ومنها خيار “أفضل أن لا أقول”، التمييع بين الذكر والأنثى، وتقديم الهوية الجنسية وكأنها مسألة رأي شخصي.
وكلها موضوعات يُطلب من المعلمين إيصالها إلى طلاب المدارس بمراحل عمرية حساسة، دون أي احترام لخصوصية التنشئة الأسرية، ولا لمعتقدات الطوائف اللبنانية، بل في تناقض صريح مع مبادئ الأديان التي تؤطر العلاقة الجسدية ضمن قدسية الزواج، وترفض كل أشكال الترويج للعلاقات غير الشرعية، سواء أكانت تحت ستار الحرية أو تحت مظلة الحقوق الجسدية.
وما هو أخطر من ذلك، أن هذه المضامين يتم تسويقها للمراهقين والأطفال تحت غطاء “التثقيف الصحي”، فيما هي في حقيقتها محاولة منظمة لتفريغ التربية من قيمها، واستبدال الأخلاق بالغرائز، والدين بالفوضى، والحياء بالانفتاح المنفلت.
وهنا، لا بد لي أن أوجه حديثًا مباشرًا إلى وزيرة التربية والتعليم العالي، ر.ك:
حضرة الوزيرة،
أنتِ لستِ موظفة إدارية، بل مؤتمنة على الجيل اللبناني كله. أنتِ على رأس مؤسسة من المفترض أن تحمي عقول الطلاب، لا أن تزرع فيها الفوضى. إن إدخال مفاهيم الجندر، والهوية الجنسية المفتوحة، و”الاستكشاف الذاتي”، ليس من صلاحياتك، بل هو اعتداء مباشر على العائلات، وعلى الأديان، وعلى مستقبل التربية في لبنان.
أنا امرأة لبنانية من بيئة تربّت على القيم، والدين، والكرامة. أنا أنتمي إلى ثقافة لا تعتبر الشذوذ رأيًا، ولا ترى في الإباحية حرية، ولا تسمح بأن يتحول جسد الإنسان إلى موضوع تعليمي لأطفالنا. ما تفعلونه هو خارج نطاق الأخلاق، وخارج دائرة الدين، وخارج سياق التقاليد التربوية التي بنت هذا البلد.
كونك في موقع القرار لا يمنحكِ حق التجاوز. كوني قادرة على إحداث تغيير إيجابي، لا تغيّرًا مدمرًا. كوني الوزيرة التي يذكرها التاريخ بأنها أنقذت التربية، لا التي وُقّع في عهدها مشروع انهيار أخلاقي جماعي. أين صوت الضمير؟ أين احترام دينكِ ودين أبنائكِ؟ من خوّلكِ لتطرحي على طلاب لبنان سؤالًا عن جنسهم بصيغة “ذكر – أنثى – أفضل ألا أقول”؟ من فوّضكِ للعبث بهذا الشكل بهوية الإنسان الفطرية؟ من سمح لكِ باستيراد ثقافات لا تشبهنا ولا تحترمنا؟
أناشد باسم كل أم وأب، باسم كل طالبٍ خائفٍ على دينه، باسم كل معلمٍ يشعر بالإهانة مما فُرض عليه، أن يتم سحب هذا الملف فورًا، ومحاسبة كل من شارك في إعداده، ووقف هذا الجنون الأخلاقي الذي يُرتكب بحق أبنائنا.
إن مناهج التعليم ليست ملكًا لفئة، ولا يجب أن تُفرض فيها سياسات مغلّفة بتمويل خارجي وأجندات مشبوهة. المطلوب أن يُعاد النظر بشكل جذري في كل محتوى يحمل مسًّا مباشرًا بالهوية والدين والحياء.
أبناؤنا ليسوا حقل تجارب. ديننا ليس رأيًا عابرًا. قيمنا ليست مشاعًا. لبنان ليس بلدًا بلا جذور.
وأختم بتوجيه صرخة مسؤولة إلى المرجعيات الروحية السنية والمسيحية والشيعية والدرزية:
أنتم حماة الثوابت، وحصن القيم، فلا تسمحوا لهذا العبث أن يتمدد. كونوا كما عهدناكم صوتًا أعلى من الفساد، وأقوى من التفكك، وأكثر صدقًا من كل لغة تُحاول خداعنا بشعارات الحداثة.
لن نصمت. سنكتب، وسنواجه، وسنكشف، وسنمنع أن يصبح لبنان ساحة مفتوحة لانحراف مصدّق عليه رسميًا.
لن نلزم الصمت، ولن نقبل بالأمر الواقع، وسنمنع الوصول سواء بالطرق التقليدية أو العملية. لن نرضخ، وسنسير حتى أبعد مدى في هذه المواجهة. سنطرق كل الأبواب، ونلجأ إلى جميع المرجعيات، وسنحارب هذه الآفة مهما كلّفنا الأمر، ولو استدعى ذلك تقديم أرواحنا فداءً للموقف.
نمنحكم فرصة لوضع حدّ لهذه المهزلة، وإلا فإننا سنلجأ إلى تحريك الشارع، وسنحظى بدعم اللبنانيين، لأننا نشأنا على الأخلاق، والالتزام بالأعراف، واحترام الأديان، ولن نسمح بانتشار هذا التطرّف بيننا.