فيما كان لبنان الرسمي ينتظر كلمة السيد حسن نصرالله في اليوم الثاني لحادثة الضاحية الجنوبية، كان «حزب الله» يحضّر لخطاب تغيير قواعد الاشتباك. ويصف أكثر من مرجع سياسي خطاب نصرالله بأنه عنوان لبداية مرحلة جديدة هي الأخطر على لبنان منذ حرب عام 2006، كما وصفها في كلامه، وربما منذ مرحلة الحروب العربية الإسرائيلية.اختلف التوقيت عن حرب عام 2006، وما كان ممكناً في تلك الفترة لم يعد قائماً اليوم، وتلخص اوساط ديبلوماسية اللحظة الإقليمية المتفجرة بالآتي:اولاً: تحققت معادلة الساحات المفتوحة بشكل عملي، فالغارات الاسرائيلية على المواقع الايرانية في سوريا طوال السنوات الماضية انتقلت الى العراق، ولم تتوقف فوصلت الى لبنان، ومعادلة الساحات المفتوحة تعني انّ أيّ حدث في العراق او سوريا مرشح للانتقال الى لبنان بعدما سقطت الحدود والحصانات وقواعد الاشتباك، وهذا ما عبّر عنه امين عام «حزب الله» عندما ربط الرد على اسرائيل بمقتل عنصرين من الحزب في سوريا، وهذا يعني انّ الغطاء السياسي للسلاح لم يعد مرتبطاً بشكل معلن بمزارع شبعا ولا بتنفيذ القرارات الدولية، بل بما يحدث في العراق وسوريا.ثانياً: في ظلّ التسوية الرئاسية استطاع «حزب الله» أن يطوّع القرار اللبناني بشكل شبه كامل، وما كلام الرئيس ميشال عون سوى غطاء شرعي لأيّ ردّ عسكري سيقوم به «حزب الله»، أما الرئيس سعد الحريري فإنّ تمسّكه بتطبيق القرار 1701 لا يشكل أيّ ضمانة، باعتبار أنّ رئيس الحكومة لا يستطيع أن يُصدر هذا الموقف عن الحكومة، وبالتالي سيكون أيّ تحرّك عسكري مغطّى شرعياً من الدولة اللبنانية، مع ما يعنيه ذلك من تحوّل الدولة ومرافقها الى اهداف لأيّ حرب مقبلة.ثالثاً: يعيش لبنان على الصعيدين العربي والدولي في شبه عزلة لا تكسرها زيارات الرئيس الحريري لهذه العاصمة او تلك، فعلاقة الدول العربية والغربية بلبنان تمرّ عبر الرئيس الحريري، ولكن بهامش لا يسمح بتشكيل أيّ ضمانة، في ظلّ الموقف الواضح الذي يتّخذه الرئيس عون والذي لا يمكن فصله عن استراتيجية «حزب الله»، ومن المفارقات الكبيرة في المنطقة أنّ سلاح «الدرون» يستعمله حلفاء ايران في سوريا ولبنان واليمن، وانّ الدعم العربي للبنان بات في أضعف مراحله، على عكس ما حصل عام 2006، إذ سبّب العامل الإيراني المسيطر في لبنان، ابتعاداً عربياً سوف يترجم على طريقة «إقلعوا شوككم بأيديكم» مادمتم ترتضون أن تكونوا جزءاً من النفوذ الإيراني.رابعاً: إنّ القرار 1701 الذي تحدّث عن استكماله الرئيس سعد الحريري في واشنطن للانتقال من حالة وقف الاعمال العدائية الى وقف دائم لإطلاق النار، غاب في الأدبيّات الرسمية الى حدّ التجاهل، وباستثناء الموقف الاعتراضي الواضح لـ«القوات اللبنانية»، الذي يُفترض أن يُترجم على طاولة الحكومة، لم يسجّل ما يمكن أن يؤدّي الى نقاش فعلي لصدور موقف عن الحكومة في شأن التمسك بالقرار الدولي والعمل على تنفيذه واعتباره الطريق الى فصل ملف لبنان عن أزمة المنطقة، علماً انّ القرار 1701 يشدّد على تنفيذ القرار 1559، كما انّ قرارات اخرى صدرت عن مجلس الأمن الدولي نصّت على ترسيم الحدود اللبنانية السورية والحدود في شبعا، ولم تنفَّذ.في كل الاحول فإنّ السؤال: ماذا بعد الرد المحسوم لـ«حزب الله»؟ وما هي طبيعته؟ وكيف سيكون الردّ الإسرائيلي؟ وهل تحصل مواجهة محدودة أم ستتحوّل حرباً مفتوحة المدى، تكريساً لمبدأ توحّد الجبهات من بغداد الى دمشق فبيروت؟ لن يطول الوقت قبل انتهاء مهلة الأيام الأربعة التي حدّدها السيد حسن نصرالله.