“ليبانون ديبايت”- ملاك عقيل
قبل أيام قليلة جداً من انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016 وجّه أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله رسالة غير مسبوقة لجمهور “التيار الوطني الحر” قال فيها “للاسف الشديد، وبالاذن من صديقنا وحليفنا وعزيزنا العماد ميشال عون وأخونا الوزير جبران باسيل، أريد أن اخاطب جمهور “التيار”. كصديق مخلص لكم اتمنى ان تسمعوا “هالكلمتين” ونحن على نهاية شوط الاستحقاق الرئاسي. لا تسمحوا لأحد ان يستغل او يوظف او يسئ الى العلاقة بيننا وبينكم، أو يحاول تشوية العلاقة. لا أريد الدخول في الاسماء. كل العالم عارفة من المقصود”، مؤكداً “من اليوم الاول أردنا انتخابات رئاسية والتزمنا بعون، لو أردنا خربطة الامور لكنا قلنا لعون نحن التزامنا معك فقط، ولا نوافق على سعد الحريري رئيساً للحكومة. لكننا لم نمانع وصول الحريري وهذه تضحية كبيرة منا”.
كانت هذه الرسالة واحدة من الرسائل العلنية النادرة من السيد للجمهور “البرتقالي”. كان مضى على تفاهم مار مخايل عشرة أعوام وشهد ما يكفي من الهزات والانتكاسات التي بقيت قاصرة عن “كسره” او إسقاطه.
في كثير من المحطات وجدت السقوف العالية مكاناً لها بين الجمهورين: أهل “التيار البرتقالي” يمنّنون “حزب الله” بالوقوف الى جانبه في “حرب تموز”، ومؤيّدو “حزب الله” يسألون باسيل: “وهل كان لديك خيار آخر غير الوقوف الى جانبنا في وجه إسرائيل”! يكفي سحب الضاحية ملعقة “الفخامة” من فمّ “الجنرال” عام 2008 ما كلّف الحزب انتظار 6 سنوات ليرفع لاحقاً المتاريس في وجه حلفائه قبل أي أحد آخر، ضد كل من فاوض على خيار رئاسي آخر طالما عون تمسّك حتى آخر رمق برئاسة الجمهورية.
في أروقة الحزب الداخلية تردّدت مقولة “يستحيل ان نرتكب هذا الخطأ مرتين”. ومع ذلك وجد السيد حسن نصرالله نفسه مضطراً الى تنبيه “العونيين” في رسالته الى عدم السماح لأحد بتضليلهم قاصداً بشكل أساس “القوات اللبنانية”.
قبل رسالة السيد وبعدها تجاوز تحالف “التيار” والحزب أكثر من لغم. وعند كل قطوع كان يُسمع “الكلام الكبير” في كواليس الطرفين وينشر الغسيل على سطوح مواقع التواصل الاجتماعي، لكن القرار على مستوى الرأس كان أكثر صلابة من “مغريات” الفراق. وما أكثرها… من الخلاف على التمديد المتكرّر لمجلس النواب، وفي التمديد المتكرّر لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، وأزمة مياومي الكهرباء، والعلاقة المضطربة مع الرئيس نبيه بري ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وملف النفط، والخلاف على عرض فيلم “The Post” الذي دفع مؤيدي الحزب و”حركة أمل” الى اطلاق هاشتاغ “تيار التطبيع” في مقابل ثورة برتقالية على مواقع التواصل توّجت بمقدمة نارية لقناة otv تحدثت عن “جريمة ثقافية في حق الحرية تُعيد تجسيد نظرية قمع الرأي الآخر بذريعة مواجهة العدو، وهو منطق لم يفضِ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الا إلى هزيمة تلو هزيمة”… حتى في الانتخابات النيابية الماضية، ضغط الطرفان على قواعدهما منعاً لخروج الامور عن السيطرة، بعد أن ساهم ترشيح حسين زعيتر من جانب الحزب في جبيل وترشيحات باسيل في بعلبك الهرمل في دق الأسفين بين جمهور الحزبين.
واقع قاد نصرلله مرة أخرى الى توجيه رسالة الى الجمهور العوني، كما جمهور الحزب، خلال مقابلته الاخيرة على قناة “الميادين” في كانون الثاني الماضي طالباً خلالها من أخواننا وأصدقائنا في “التيار” الهدوء، ف “حزب الله” ليس “التيار الوطني الحر”، محذراً من “مشكلة مواقع التواصل الإجتماعي والجيوش الالكترونية”. وقال “الحلفاء يطيلوا بالهم على بعضهم، يا أخي نحن حتى على غير حلفاءنا نطيل بالنا وحريصون أن نأخذ ونعطي ونناقش”!.
التوقيت مرة أخرى كان له دلالاته. فرسالته عبر “الميادين” استبقت بأيام ولادة حكومة سعد الحريري التي عانت نحو تسعة أشهر لكي تولد مع “مضاعفات” كادت تطيح بالعلاقة بين الحليفين بسبب تشدّد “حزب الله” بتوزير أحد حلفائه السنة “بأي ثمن” وتوجّس بعبدا من إداء الحزب الى درجة دفعت الرئيس عون الى التحذير من محاولة البعض “الانقلاب على الاعراف”. ولدت الحكومة وخاضت معركة الموازنة وتباعدت الاراء بين الضاحية وبعبدا لكن من دون أن تؤثر على “النواة الصلبة” للحلف الحديدي في مقابل انهيار “اتفاق معراب”!
كل هذه المشهدية تحضر حين يَكشف “المرصد” ما يشبه الاستنفار “الحزبلاوي” لطمأنة من يعنيه الامر أن “الدردشة” بين الوزير جبران باسيل والنائب طلال ارسلان التي فضحها الميكروفون المفتوح، والتي ذكّرت باستياء باسيل من وقوف الحزب بوجه ال “ميغاسنتر”، لا تقدّم ولا تؤخر ولا تشوّش على “الأساس”.
وفيما كان متوقعاً من الحزب المسارعة الى نجدة حليفه ارسلان الذي تعرّض لانتقادات قاسية بسبب ما اعتُبر تملقاً لباسيل في حديثه عن “سيطرة” رئيس “التيار” على نصف مقاعد الشوف وعاليه اذا اعتمد ال “ميغاسنتر”، تجنّد في المقابل مؤيّدو الحزب لردّ الضيم عن جبران باسيل والدفاع عنه.
عملياً، بدت ردّة الفعل أكبر من الفعل نفسه، و”تضخيم” لحماية ربما لم يكن يحتاجها باسيل وهو الذي لا يتوانى عن مصارحة الحزب بكل الاعتراضات على سلوكياته أو مواقفه وجهاً لوجه.
وصل الامر الى حدّ تلميح أوساط في 8 آذار بأن كلمة سرّ مرّرت بتسخيف ما ورد في الفيديو المسرّب ونفي تهمة التشكيك بنوايا باسيل. حتى نجل السيد جواد نصرالله دخل على الخط مانحاً الحليف حق الاختلاف في الرأي “والزلات بتصير بس التحالف متين وكبير”، فيما كان لافتاً تخصيص قناة “او تي في” تقريراً مصوراً تحدث خلاله الوزير حسين الحاج حسن والنائب ابراهيم الموسوي حيث أكدا على متانة التحالف، فيما اعتبر الموسوي بأن ما سرّب “هو أمر ثانوي وهامشي لا علاقة له بالسياسة”.
كل ذلك لا يلغي بأن “التفاهم” سيبقى عرضة للهزات تماماً كما العديد من التفاهمات والتحالفات. انها السياسة والدليل ما اختبره هذا التفاهم سابقاً من نكسات، وما يسجّل في كواليس الطرفين من تراكمات ومآخذ متبادلة. يجدر فقط رصد مؤشر “المناعة” على العواصف حين تطرح التعديلات على قانون الانتخاب والتحالفات المقبلة وصولاً الى انتخابات رئاسة الجمهورية…!