شكوى متبادَلَة من استنسابية في تنفيذ الدستور تُضيّع التوجه الجدّي لمعالجُّة الأزمات
دلّت السجالات والتسريبات حول الصلاحيات الرئاسية والتفسيرات المتناقضة او الاستنسابية لبعض مواد الدستور، على ان البلاد على وشك الدخول في أزمة حكم بعد ان دخلت في ازمة نظام، نتيجة عدم التفاهم بين اركان الحكم من القوى السياسية الاساسية على تفسيرات لمواد الدستور حول صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة، وعدم الاتفاق على تدابير واجراءات تدفع عجلة الحكم الى الدوران بدل الشلل الذي يكبّل المؤسسات ولا سيما مؤسسة مجلس الوزراء المعطل منذ اكثر من شهر بعدجريمة قبرشمون- البساتين، ايضا نتيجة عدم التفاهم على الوجهة القضائية لمتابعة الجريمة.
وفي هذا السياق، ترى مصادر نيابية محايدة ان ممارسة الصلاحيات باتت استنسابية لهذا الرئيس او ذاك تبعا للمصالح والاهداف والتحالفات السياسية، وتقول: ان ممارسة الصلاحية بطريقة استنسابية ولأغراض سياسية خاصة، افقدت الطلب الدستوري قيمته الدستورية الكبرى وهدفه النبيل بتصحيح امر وطني او ميثاقي او اداري كبير وخطير، ولم ينطلق في جوهره من وجود ازمة حكم باتت تستدعي اعادة انتظام العمل المؤسساتي، ومن دون مراعاة التوافق السياسي المطلوب، ولا سيما ان الدستور ينص على ان الصلاحيات والقرارات هي لمجلس الوزراء مجتمعا، وهناك الكثير من القوى السياسية واولها الرئيس نبيه بري تطالب بالدعوة لعقد الجلسات ولا ترى مسوّغا فعليا لتوقف عمل الحكومة.
وبغض النظر عن صحة او عدم صحة هذا الكلام في المشكلات السياسية القائمة حاليا، فالصحيح ان كل طرف يُقرّ للاخر بحقه الدستوري تبعا لهذه المادة او تلك، لكن الصحيح ايضا ان هناك اختلافا في تفسير وكيفية ممارسة هذا الحق الدستوري، ربطا بتوقيت سياسي متأزم وبخلافات سياسية واضحة وفاقعة.
وفي هذا المجال يرى وزير الداخلية الاسبق الحقوقي زياد بارود «ان كل هذه الاشكالية الدستورية بدأت على خلفية المادة 80 من قانون الموازنة، وللتذكير فإن المادة 80 كما يشير اليها القانون هي من «فرسان الموازنة» اي من الاحكام التي يتم حشوها في الموازنة، وهي تعدّل قوانين اخرى مستقلة لا علاقة لها بالموازنة، لأنها تعدل عمليا المهلة المحددة لمباراة مجلس الخدمة المدنية، كما تمت اضافة احكام تعدلّ قانون الدفاع، وقانون السير وقانون الاجراءات الضريبية وغيرها من قوانين»..
وقال بارود لـ «اللواء»: هذه الممارسة بموجب قانون المحاسبة العمومية غير جائزة وغير قانوية، لذلك لو تجنّبنا «فرسان الموازنة» في عدد من مواد قانون الموازنة ومنها المادة 80 لما كنا وصلنا الى هذا الوضع.هذا اذا اعتبرنا ان الإشكال هو قانوني بحت او دستوري بحت، في حين ان الطابع السياسي يُطل برأسه عند كل منعطف.
واضاف: ان المواد الدستورية المعنية بالموضوع هي ثلاث منها المادة 95، لكن كل ما يُثار هوحول المادة 53 وصلاحيات رئيس الجمهورية، والمادة 64 المتعلقة بصلاحيات رئيس الحكومة. والخطير في الموضوع ان يتم تصوير الامر وكأنه صراع بين مرجعين يمثلان مع مجلس الوزراء السلطة التنفيذية في البلد، وبالتالي ألم تكن تكفي اشكالية حادثة قبر شمون واحالتها الى المجلس العدلي، حتى أصبحت الامور اكثر تعقيدا في البلد وبشكل خاص على مستوى انتظام الحياة السياسية ومؤسسات الدولة لا سيما الدستورية منها.
واشار بارود الى التعديل الدستوري عام 1990 الذي اعطى الحق لمجلس النواب في تفسير الدستور بعدما كان مطروحا ان يكون للمجلس الدستوري، وقال: إن رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب التي طالب فيها تفسير المادة 95 هي رسالة من ضمن صلاحياته الواضحة المنصوص عنها في المادة 53 من الدستور لا سيما الفقرة 10، وقد تلقف رئيس المجلس الطلب ودعا الى جلسة في تشرين الاول المقبل. وهنا يجب ان ننتظر ما ستؤول اليه الجلسة النيابية.. وانا من القائلين ان تفسير الدستور يستوجب اكثريات موصوفة هي ذاتها الاكثرية المطلوبة لتعديل الدستور، لأن اي تفسير قد ينطوي احتمالا على تعديل غير مباشر للدستور، لذلك فإن اي تصويت على التفسير يقتضي ان يكون ضمن الاطر المنصوص عنها لتعديل الدستور.
وتابع بارود: ان المادة المتعلقة بصلاحية رئيس الجمهورية لا سيما الفقرة 12 من المادة 53، والمادة 64 الفقرة السادسة التي تحدد صلاحية رئيس مجلس الوزراء، واضحتان، فصلاحية دعوة مجلس الوزراء منوطة برئيس الحكومة، لكن هذا لا يعني ان رئيس الجمهورية الذي يترأس مجلس الوزراء عندما يحضر لا يستطيع ان يدعو ايضا استثنائيا لإنعقاد مجلس الوزراء، ولذلك يقول النص – وهذا واضح ومهم- «بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، لذلك لا يجوز تصوير الامر وكأن استعمال رئيس الجمهورية لصلاحية دستورية هي انتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة، قطعا لا، الدعوة تحصل بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
ورأى بارود ان «اكثر ما يتم تداوله هنا هو عدم جواز عدم انعقاد مجلس الوزراء، فلا يجوز امام التحديات التي يواجهها لبنان ان تكون السلطة التنفيذية غائبة عن السمع».. هذا فراغ على مستوى السلطة التنفيذية لأن مجلس الوزراء يبحث في كل الامور عندما يجتمع، والصلاحيات لا يمكن ان تُمارس إلا عبر مجلس الوزراء مجتمعا، لذلك انا ارفض تصوير الامر على انه صراع على الصلاحيات بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة، قطعا الامر ليس كذلك، بخاصة ان الرجلين كانا على علاقة ممتازة وهماعلى اتفاق وعلى تواصل دائم».
واعتبر بارود ان استعمال رئيس الجمهورية لصلاحية دستورية يكون هدفه باتجاه حلحلة الامور وبالاتفاق مع رئيس الحكومة. لكن هذا الاشكال ذي الخلفية السياسية يتم تظهيره وكأنه خلاف دستوري على الصلاحيات..
وختم بارود: لذلك يجب ان نقرأ المادتين 53 و64 على انهما نصان دستوريان يتكاملان ولا يتعارضان، فصلاحيات رئيس الحكومة محفوظة ولا احد يريد او يرغب بالانتقاص من هذه الصلاحية، ولكن لا يجوز ان تُحجب صلاحية رئيس الجمهورية عنه تحت اي عنوان