أقامت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ممثلة برئيستها كلودين عون روكز، والمركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ممثلا بمؤسسه ومشرفه العام الدكتور وسيم حرب، لقاء تشاوريا حول موضوع “الكوتا النسائية: نحو تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان”، وذلك ضمن إطار مشروع “تشجيع الأصوات المهمشة في عملية المشاركة السياسية في لبنان”، الذي يقوم المركز بتنفيذه بدعم من وزارة الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتعاون مع منظمة “بلان إنترناشيونال”.
حضر اللقاء وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب فيوليت خير الله الصفدي، ممثلة وزير العدل ألبيرت سرحان القاضية ميراي داوود، النواب: بهية الحريري، الدكتورة عناية عز الدين، ديما جمالي، ورولا الطبش جارودي، المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية الدكتور فاديا كيوان، الوزراء السابقون: زياد بارود، منى عفيش وجان أوغاسبيان، ممثلة نقيب المحامين ندى تلحوق، ممثلة السفارة الأميركية مينتا ميدلي، أعضاء الهيئة الوطنية لشؤون المرأة وممثلو الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
عون روكز
افتتح اللقاء بكلمة لعون روكز قالت فيها: “يعز علي أن يكون لبنان مصنفا دوليا في المراتب الأخيرة بين الدول لجهة إنصاف النساء في المشاركة السياسية: المرتبة 142 من أصل 144 دولة، ويعز علي الاعتراف بأن النساء يشكلن الفئة الأكبر من الفئات المهمشة سياسيا، فنسبة ال4.6 في المئة التي تمثلها السيدات الست في مجلسنا النيابي تعكس، بعد مرور 66 عاما على إقرار الحقوق السياسية للمرأة في لبنان، فشلا لنظامنا السياسي في إرساء قواعد نظام ديموقراطي حقيقي. فكيف يمكن تفسير ضآلة هذه النسبة، مقارنة مع النسب التي تعكسها أعداد النساء في مجالات مزاولة المهن الحرة والقضاء ومهنتي التعليم المدرسي والأكاديمي؟ ففي هذه القطاعات، تزيد نسب النساء عن الربع، وتقارب النصف في المحاماة، وتزيد عنه في التعليم الثانوي. ولنا اليوم أن نتباحث في سبل التوصل إلى التغيير الذي من شأنه أن ينهي استثناء المجال السياسي من المجالات التي تخوضها النساء وتبرع فيها”.
أضافت: “نحن النساء لسنا طامحات بمراكز وبامتيازات، بل متطلعات إلى إصلاح بات من الضروري الشروع فيه لحماية بيئتنا الطبيعية، كما الاجتماعية. وفي عصر تضيع فيه المعاني في الشعارات المنمطة التي ترددها أبواق الوسائل الحديثة للتواصل، لنا أن نكون نحن النساء، دعاة إصلاح، ننظر إلى واقعنا بتجرد بغية معالجة نقاط ضعفه. ومعالجة ظاهرة عدم شمول مجالسنا التمثيلية لأعداد وازنة من النساء، تتطلب أولا اعتراف قياداتنا وأحزابنا السياسية بأن هذه ظاهرة تشكل وضعا شاذا يعكس وجود شرخ بين الصفة لنظامنا وواقع الحال. والتوصل إلى هذا الاقتناع من جانب القيادات يفترض أولا أن يكونوا مقتنعين بحقوق النساء في المشاركة معهم، على قدم المساواة، في اتخاذ القرارات. وهذا الاقتناع يتطلب الإقلاع عن النظر إلى المجتمع اللبناني الحالي كأنه لم يتغير منذ القرن التاسع عشر، فالنساء المعاصرات نساء ناشطات لا يقل العلم لديهن عن علم الذكور، ولا تقل مؤهلاتهن القيادية عن مؤهلات الرجال، إنما التعاطي السياسي الذي يعيد إنتاج نفسه، هو ما يعيق مسيرتهن، والأساليب المعهودة في الممارسة السياسية تستند إلى النهج البطريركي في إقامة العلاقات مع الآخرين. هذا هو النهج الذي لا يزال الأكثر رواجا في مجتمعنا، وهو نهج يتعارض مع المفهوم الديموقراطي الحديث للعلاقة بين الحكام والمواطنين، مع العلم أن النساء اللواتي تتطلعن إلى تبوء المراكز قيادية في المجتمع، تحملن عادة رؤية حديثة للعلاقات الاجتماعية تعير الأولوية للمصلحة العامة، وليس للمصالح الفئوية”.
وتابعت: “يصعب عادة، في الظروف العادية، أن تتغير أنماط العلاقات السياسية في مجتمع ما، بصورة تلقائية. ولذا، لا بد للمشرع من التدخل من أجل تحديث قواعد اللعبة السياسية. وفي مجال تشجيع مشاركة المرأة في صناعة القرار في المجالس التمثيلية، لا بد من اعتماد إجراءات داعمة لوصولها إلى الندوة البرلمانية. ومن هذه الإجراءات، اعتماد القانون الانتخابي لنسبة من المقاعد تكون مخصصة لها، وذلك في مرحلة أولية يتم خلالها نزع صفة الاستمرارية على توالد الأنماط التقليدية في الوصول إلى مراكز صنع القرار”.
وإذ شددت على “الدور الذي تقوم به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة”، قالت: “تعمل الهيئة، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، على تحديث القوانين بهدف رفع التمييز اللاحق بالنساء وإحقاق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، كما في الواجبات. ومن أبرز هذه القوانين، تلك التي تحدد سنا أدنى للزواج، وتحمي المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وتعطي المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الحق في نقل جنسيتها إلى أولادها، وتجرم التحرش الجنسي، وتتيح مشاركة أكبر للنساء في الحياة السياسية. وفي هذا المجال، يسرني أن الدراسة القانونية القيمة حول “تعزيز مشاركة المرأة في السياسة في لبنان”، التي تم إعدادها في إطار المشروع الذي ينفذه المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ممثلا بمؤسسه الدكتور وسيم حرب، تصب في إطار أهداف الهيئة، التي نسعى إلى تحقيقها من أجل أن يتم الاعتراف بالمرأة كمواطنة كاملة وشريكة أساسية في المجتمع”.
وختمت: “إن مسؤوليتنا مشتركة في بناء الوطن، والتعاون ضروري في العمل على صعيد الإصلاح التشريعي، كما على صعيد تكثيف الجهود لتوسيع نطاق مساندة الرأي العام لقضايا المرأة، ودعم مشاركتها في صنع القرار. فلنتحاور ولنعمل ولنحقق الإنجازات الصغيرة، ولا بد لنا أن نصل إلى الهدف، فما ضاع حق وراءه مطالب”.
ريحان
من جهتها، قالت مديرة المشاريع في “المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة” نيللي ريحان: “يهدف مشروعنا إلى تعزيز مشاركة المرأة، ويقوم بشكل أساسي على دعم وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني المعنية بموضوع المساواة بين الجنسين في عملية المشاركة السياسية في لبنان. وتم تنظيم عدد كبير من جلسات العصف الفكري مع هيئات المجتمع المدني وممثلي الجهات الرسمية المعنية، إضافة إلى تنظيم مؤتمر وطني حول تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وتنظيم دورات تدريبية لتعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني المحلية”.
أضافت: “تم تأسيس شبكة تتألف من ثلاثين منظمة معنية بشؤون المرأة من مختلف المناطق اللبنانية، ويتعاون المركز مع هذه المنظمات لتنفيذ حملة مدافعة وحملة توعية على أهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، فتم تنفيذ مجموعة من الأنشطة، نذكر منها تنظيم حوالى 24 ندوة شارك فيها أكثر من 800 مشارك/ة في مختلف المناطق اللبنانية حول أهمية دور المرأة في الحياة العامة ومشاركتها في الحياة السياسية بلبنان وضرورة إقرار الكوتا النسائية كمرحلة انتقالية لتفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتسهيل دخولها الى المجالس البلدية ومجلس النواب اللبناني”.
ميدلي
وتحدثت ممثلة السفارة الأميركية فقالت: “لا تزال المرأة في كل أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، ممثلة تمثيلا ناقصا في القطاع السياسي، رغم أن المزيد من النساء في الحكومة يؤدي حتما الى تمثيل أفضل للمرأة التي تشكل فعليا نصف السكان. وتظهر الأبحاث، على سبيل المثال، أن النساء المشرعات في كل أنحاء العالمـ بغض النظر عن أحزابهن السياسية، يشاركن باستمرار في رعاية المزيد من مشاريع القوانين المتعلقة بصحة المرأة أكثر من نظرائهن الذكور. كما تظهر الدراسات أيضا أن الدول التي لديها مستويات أعلى من المشاركة السياسية للمرأة تتمتع بمزيد من الاستقرار والسلام والأمن”.
افتتاح الطاولة المستديرة
بعدها، افتتحت الطاولة المستديرة التي أدارتها الإعلامية كاتيا خوري مندلق، بمداخلة للنائبة الحريري اعتبرت فيها أن “انتظام الحياة السياسية أساسي لكي تتطور الأمور بشكل طبيعي نحو مشاركة أقوى للمرأة في صناعة القرار”، وقالت: “على المرأة مسؤولية كبيرة في أن تتميز وأن تنجح وأن تضع هدفا لمسيرتها السياسية. وأملي كبير بأن المرأة باستطاعتها أن تقوم بدور وطني وتحمل راية إنقاذ البلد. سنتقدم بمشروع قانون يعتمد قاعدة المناصفة بين النساء والرجال في المجالس البلدية، آخذين في الاعتبار مشاريع القوانين المقترحة سابقا. وإن موقفي من اعتماد قاعدة الكوتا النسائية تغير، إذ كنت لا أؤيدها في الماضي، وبت اليوم أرى أن لا بد من اعتمادها كمرحلة انتقالية ضرورية، نظرا إلى الصعوبات التي تواجه النساء الراغبات في خوض المعترك الإنتخابي”.
أضافت: “لكان وضعنا الاقتصادي أفضل بكثير، لو كانت فرص النساء معززة وحقوقها متساوية مع الرجل”.
من جهتها، قالت كيوان: “في عملية حسابية بسيطة، يمكن اعتبار فوز 6 مرشحات فوزا للنساء، حيث زاد عددهن في مجلس النواب نحو 50 في المئة، إذ كانت 4 سيدات في البرلمان عام 2009. لكن إذا استكملنا العملية الحسابية، يتغير المشهد، حيث يتبين أننا في حاجة إلى 116 سنة من الآن لنصل إلى المساواة التامة بين الجنسين، والتي تعرف بالمناصفة: أي سيدتان كل 4 سنوات لبلوغ 64 مقعدا للنساء. ولهذا السبب، لا بد لنا أن نجد حلولا فعالة للمشاركة السياسية للمرأة”.
وتناولت “التحديات التي تواجهها النساء للوصول إلى البرلمان”، لافتة إلى “غياب تكافؤ الفرص مع الرجال داخل الأحزاب وإمكاناتهن المالية”، وقالت: “تشكل النساء أقل من 25 في المئة من القوى الناشطة اقتصاديا، وهي في غالب الأحيان لا تستفيد من تراكم رأس المال الذي يستفيد منه الرجال عادة أكثر من النساء”.
أضافت: “إذا كنا جديين، يجب أن نعتمد الكوتا النسائية، وهو تدبير مرحلي طبق ويطبق في بلدان أخرى، لدفع عملية مشاركة النساء في السياسة”.
وتابعت: “إن أبرز التحديات القانونية التي تواجه المرأة، هي قوانين الأحوال الشخصية التي تميز بين النساء أنفسهن، ومن الضروري المطالبة بقانون مدني موحد للأحوال الشخصية، ينصف المرأة.”
ثم كانت كلمة للنائبة عز الدين قالت فيها: “يجب أن تصبح الكوتا النسائية مادة حاضرة في كل مشروع قانون انتخابي يقدم. وهنا، تقع المسؤولية الأولى على المكاتب أو الهيئات والأقسام النسائية داخل الأحزاب، والتي يفترض أن تضغط على القيادات الحزبية لتضمين مبدأ الكوتا في أي مشروع أو اقتراح قانون يقدم من الحزب. وكذلك، ينبغي اعتماد مبدأ الكوتا في الهيئات التمثيلية النقابية والمهنية”.
أضافت: “إن الأدبيات العالمية اليوم، كما تجارب العديد من الدول والمجتمعات، تؤكد أن الوصول إلى التنمية لا يتحقق تلقائيا، بل يتطلب رؤية وكفاحا سياسيا وسياسات حكومية، ووجود النساء في صلب الأطر المعنية هو شرط جوهري للوصول إلى الأهداف التنموية، وهذا تؤمنه الكوتا. ولا بد من مواكبة صدور قانون انتخابي يتضمن الكوتا بورشة عمل ثقافية حزبية إعلامية تربوية وداخل الإدارات”.
واعتبرت أن “الكوتا هي تمييز إيجابي”، وقالت: “إذا استطعنا الاستثمار في وصول النساء إلى مواقع القرار، عندها ستكون الكوتا تعبيرا عن مرحلة موقتة وانتقالية. كما أن وصول النساء إلى مواقع القرار يجب أن يترافق مع مقاربات جديدة مختلفة مبتكرة للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية”.
وختمت:” إن حالة انعدام الثقة بين المواطن والدولة قد تكون الأكثر حدة منذ عقود طويلة، فهذه اللحظة لا يناسبها العمل النسائي على النسق المعتاد، إنها لحظة تحمل فرصا للنساء، ولكنها تحمل أيضا مخاطر كبيرة على المواطن بأكمله”.
وبدوره، شدد بارود على “أهمية الكوتا كتدبير مرحلي”، داعيا “من هم ضد الكوتا النسائية إلى اقتراح بديل عنها”، وقال: “6 نساء في البرلمان ليس عددا كافيا، فالأصوات المهمشة هي النساء والشباب أيضا. وإن زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية لا تعالج بالنوايا، بل بتغيير قانوني، اذ أن من شأن القانون وحده أن يحقق التغيير المنشود”.
وأشار إلى أن “الكوتا النسائية هي في الواقع كوتا إنسانية، وينبغي التشديد على هذه الصفة. وكما تنص إتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة “سيدوا”، فالكوتا هي تمييز إيجابي”.
ولفت إلى أن “المشكلة لا تكمن في توافر الكفاءات النسائية، بل في الذهنية الذكورية التي لا تزال غالبة لدى معظم السياسيين المؤتمنين على التشريع في لبنان”.
واختتم اللقاء بنقاش حول موضوع الكوتا النسائية وحقوق المرأة في المواطنة الكاملة، والسبل الأنجح الممكنة لتحقيق التغيير المنشود.