كتب محمود القيسي
“على العكس أنا ممن يحتفي بذاكرته..!
ممن يوقد كل ليلة شمعة للتمني..
لا لطرد العتمة خارج المنزل!
يمكنني أن اشتاقك بطريقة اخرى
ليس وارد فيها النداء..
أو القفز على جدار الغياب”
مرة أخرى مع الدكتور علوش.. أو الحكيم علوش.. أو المثقف الثوري علوش.. أو النائب الأسبق علوش.. أو نائب رئيس تيار المستقبل السابق.. أو عضو في حزب سند.. حزب الفيلد مارشال ريفى سند… في مقابلته الآخيرة البارحة 23 مايو – أيار 2023 على قناة صوت بيروت أنترناشيونال SBI على برنامج “عَالوتر” والتي وصفتها القناة الإذاعية بالمواقف النارية.. التي لم الحظ فيها أي شيءٍ ناري أو جديد في الموضوع اللبناني مِن الأسئلة التقليدية وإجابات علوش الاقل من تقليدية.. بل مجرد إجابات “طوباوية”، وعدم القدرة على استيعاب المتغيرات التي طرات على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية منذ “إتفاق بكين” التاريخي الذي قلب الطاولة رأسًا على عقب في جميع الملفات الساخنة والباردة في عصر ما بعد الكورونا ونهاية السنة الأولى من الحرب الروسية – الأوكرانية – العالمية – الثالثة – المستمرة إذا جاز التعبير والتسمية والتشبيه والاستعارة.. المقابلة التي تصرف فيها الدكتور علوش وكأنه أحد تلك الرموز والقوى السياسية الرئيسية الفاعلة في مجرى الأحداث.. وخصوصًا بعد إطلاق ما يسمى “سند” هو وشريكه الفيلد مارشال أشرف ريفي!
حزب، أو تنظيم.. أو حركة سند التي ماتت في إحدى مساكن أو طرقات طرابلس الفيحاء الفرعية قبل ان تولد.. قبل حتى ان تسمع بها الخاصة والعامة وخصوصًا أهل الفيحاء أهل المواقف التاريخية الواضحة على رؤوس الشواهد ورؤوس الرماح. سند، الذي أربكه ذكرها في السؤال الأول كما أربكته الأسئلة الأخرى والتي أعتقد إنها محضرة سلف. الأسئلة التي تراوحت بين أهم قضايانا المطروحة في طواحين الحلول والتسويات الكبرى و مطاحنها: “هل انت قيادي في حركة سند أو مجرد عضو”؟ السؤال الذي أربك نائب رئيس تيار المستقبل السابق مصطفى علوش.. إلى السؤال التالي: “كنت شرسًا في الدفاع عن سعد الحريري بوجه ريفي.. ما الذي تغير”؟ أصفر وجه علوش ومال إلى البهتان وخجل إن يقول أوصلني الحريري إلى الندوة البرلمانية وأنا أوصلت نفسي إلى عضو مراقب في سند.. سئل تاليًا: ٠هل يمكن للواء ريفي أن يكون بديلا للرئيس سعد الحريري”؟: ضحكت ثم بكيت ثم ضحكت حتى شب الدمع زبيبا.. جاء السؤال الربع: “هل انت مع العودة والإنفتاح على بشار الاسد”؟ أترك لكم شروط علوش لعودة الاسد كي تسمعوها بأنفسكم مباشرة على الهواء أو تحت الهواء.. هذا وأترك لكم بقية الأسئلة والتي دارت حول إنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية وإجابات الحكيم على طريقة دردشة المقاهي السياسية.. وخصوصًا الدهشة والتفكير الطويل قبل الإجابة على السؤال الاخير: “هل الرئيس القادم مسير أو مخير”!؟ هذا دون ذكر مواقف علوش عن قرارات وتوصيات أشهر وأهم قمة عربية في التاريخ الحديث تاريخيًا.. القمة العربية في جدة – المملكة العربية السعودية والتي جاء علوش على رفض والاختلاف مع معظم قراراتها وتوصياتها..!؟
غريبًا أمر هذا “الحكيم”.. لم يعد يدري كيف يسير ولم يعد يدري أين يقف ولم يعد يدري كيف يجلس.. لم يعد يدري أين هو في سياق الواقعي، أو في سباق الأحداث الواقعية – والواقعية المتسارعة.. نعم، المتسارعة ألا في عقله وساعته المعطلة والمتوقفة على تواريخ مضى عليها الزمن ومضى… غريب أمر هذا “المثقف الثوري” الذي ما زال يعيش في ملكوت “الطوباوية” في عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة.. وتختلط عليه مفاهيم ما قبل التنوير وما بين التنوير وما بعد التنوير والحداثة وما بعد الحداثة.. غريبًا أمر هذا “المثقف التقدمي” الذي يسير إلى الوراء والورى سياسيًا دون أن يدري أو يدري إن التاريخ لا يعود القهقرى إلى الوراء والورى.. أو نحو النظريات الخيالية الفارغة التي تعكسها الأيديولوجيات الفارغة كما السراب وانعكاس الظل – ظل القيظ على سطح الأرض والطريق ووجه الماء ووجه الخليقة… سراب في سراب وتراب في سراب وانعكاس السراب الذي يحسبه (علوش الظمآن) ماء.
غريب أمر هذا “الطبيب” الذي دائما ما يحمل سماعة النبض حول رقبته.. سماعة النبض المعطلة ودائمًا ما يتمسك بظواهر شكلية جزئية ـ لا أثر لها ـ فإن أحدٍ لا يعبأ به ولا يعبأ بها. غريب أمر هذه السماعة وصاحبها الذي يعيش “مقاومة منظمة” لكل تقدم وتطور وتجديد وتغيير، أو هو ميل إلى الاكتفاء الذاتي الغير موضوعي بحالة الأمور الحاضرة الموضوعية والسماعة المعطلة والفكر المعطل والجمودية السياسية.. الجمودية السياسية يا (دكتور علوش) كما تعلم أو لا تعلم هي: موقف سياسي واجتماعي، يدفع بصاحبه إلى التشبث بالتقليدية الرثة ورفض التجديد والتقدم والإصلاح في السياسة الاجتماعية والمجتمعية. الموقف الذي يتحول أحيانًا الى سياسة متكاملة قائمة على كبح وتجميد كل مبادرة تجديدية، في المجال الأيديولوجي والنظري، فالجمودية تعبر عن موقف ضمني إزاء بعض المفاهيم والمبادئ إلى درجة يصبح معها الإنسان عبدًا للفكرة بدل أن تكون الفكرة مُسخّرة في خدمة الإنسان واستمراريته الوجودية.
غريبًا أمر هذا “المثقف العضوي” الذي فقد “عضويته الثقافية” والفكرية وبوصلة “الفلسفة السياسة” وأنهارها وبحورها ومحيطاتها وقيعانها وفلاسفتها وشياطينها… نعم، المثقف العضوي، المثقف الذي يدرك أهمية الدور الثقافي في النشاط العملي، ويعمل من أجل ذلك، وعلى ذلك فهو ليس تكنوقراطياً، أدواته الأفكار وتدبيج القوانين، ووضع الحلول بحسب المطلوب، وليس هو الفيلسوف، رأس السلطة في مدينة أفلاطون الفاضلة. دعونا نتأمل حال الممنوع من السفر، ولا يسافر، والذي لا يدري أن اسمه مدرج في قائمة الممنوعين من السفر، ولا يسافر، لمجرد أنه لا يرغب بالسفر. ثم دعونا نقارن حاله، بحال من يرغب بالسفر ولا يسافر ـ على قدرته ـ لأنه يعتقد خطأ أن اسمه مدرج في قائمة الممنوعين من السفر. أيهما حر في السفر؟ للإجابة عن هذا السؤال ـ نؤكد على ضرورة التمييز بين معنيين للإنسان (الحر)، دأب جل من عُني بقضايا (الجبرية) على الخلط بينهما.
المفهوم الأنطولوجي للحرية: يعتبر المرء حراً على المستوى الأنطولوجي ـ بالنسبة إلى فئة بعينها من البدائل السلوكية ـ إذا (وفقط إذا) لم يكُن هناك (بالفعل) أي عائق ـ مهما كانت طبيعته ـ يحول دون اختياره لأي منهما والقيام به… المفهوم الإبستمولوجي للحرية: يعتبر المرء حراً على المستوى الإبستمولوجي ـ بالنسبة إلى فئة بعينها من البدائل السلوكية ـ إذا (وفقط إذا) لم يكُن هناك (في اعتقاده) أي عائق ـ مهما كانت طبيعته ـ يحول دون اختياره لأي منهما والقيام به… غريبًا أمر هذا المثقف”.. المثقف السعيد بالتقدم التكنولوجي لانه يمتلك موبيل وسماعة نبض معطلة وحزين للوضع الذي وصلت إليه أوضاعه التي يعتبرها غير طبيعة!.. يدعي الخروج عن سياسة من يسميهم القطيع من ناحية في حين لا يخالف الأفكار المهيمنة على عصره في شيء إبتداءً من الراعي الجديد الأخر إلى القطيع الجديد الأخر إلى ذاك الذي يتدلى من رقبته الجرس برتبة وبدلة عسكرية!؟