أسعد بشارة – الجمهورية
كيف تحوّلت قضية عامر الفاخوري من قضية عميل محكوم بالسجن لمدة 15 عاماً، مرّ عليها الزمن، ومن قضية نصّ عليها «تفاهم مارمخايل»، ضمن اتفاق تقديم غطاء مسيحي لسلاح «حزب الله» مقابل العفو عمَّن سمّاهم التفاهم المبعدين الى إسرائيل، الى قضية تسلّل عميل عبر مطار بيروت، وانكشاف هذا التسلّل، وسط صخب لا مثيل له، بدأت فصوله بمقال صحافي ولم تنتهِ، بأزمة صامتة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله». مَن هو عامر الفاخوري؟ ولماذا عاد الى لبنان؟ وكيف انفجرت الأزمة؟
كان الفاخوري ابن الشريط الحدودي مسؤولاً في جيش انطوان لحد، متوسط الأهمية، فلا هو مسؤول أمني تنفيذي، ولا هو حارس مستودع أسلحة، كان يشغل مسؤولية معتقل الخيام، كان مأموراً من قيادته وآمراً على السجن، والطريف أنّ ملفَّه الذي حكمه به القضاء اللبناني، فيه تهمتان: التعامل مع اسرائيل، وتهمة الاغتصاب، والاخيرة للمفارقة رفعها ضده أحد عناصر «جيش لبنان الجنوبي» في أحد مخافر الشريط الحدودي حيث اتهمه باغتصاب خطيبته.
حكم على الفاخوري، بـ 15 سنة سجناً، وعندما انتهت مدة العقوبة وهو خارج لبنان، سقطت بمرور الزمن، وصار من حقه قانونياً أن يعود الى لبنان، لذلك قصد سفارة لبنان في واشنطن، كي يجدّد جواز سفره، بعد سقوط الحكم، فأُرسلت المعاملة الى لبنان، لكنه أُعلم بأنّ جواز السفر البيوميتري، يتطلّب حضوره، فقرّر العودة عبر مطار بيروت، طالما أنّ الحكم عليه سقط بمرور الزمن، فكان أن حجز جواز سفره الأميركي، وطلب للتحقيق وصدرت مذكرة توقيف بحقه.
كيف شطب اسم الفاخوري عن المذكرة 303؟ وكيف أصبح ملفّه خالياً من أيّ ملاحقة قضائية؟ يعود الجواب الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي عُقد بعد شهرين من انتخاب الرئيس ميشال عون، ففيه تمّ البحث في شطب بعض الأسماء التي تعاملت مع اسرائيل، وكان الاجتماع في حضور الوزراء المعنيين ومنهم وزير المال علي حسن خليل الذي يمثل حركة «امل»، والذي يمثل فعلياً «حزب الله» و«امل» معاً، وتم الاتفاق في الاجتماع من دون تسجيل اعتراض من خليل او من أيّ وزير على أن تُحال هذه الاسماء الى القيادات المعنية لكي تضع معايير، للأسماء التي ستُشطب.
وأهم هذه المعايير أن لا يكون المتعامل قد تورّط في قتل مقاومين، وأن لا يكون قد نال الجنسية الإسرائيلية، وأن يكون قد أنهى الحكم القضائي المُدان فيه، وبدأت بالفعل عملية الشطب لمئات الأسماء، من أصحاب الادوار الهامشية، وتلك التي انطبقت عليها هذه المعايير، ومن هؤلاء عامر الفاخوري، الذي لم تكن في ملفه أيّ إدانة في قتل مقاومين، والذي لم يكن معروفاً حينها أنه يمتلك جنسية اسرائيلية.
بعد انطلاق العاصفة المفاجئة، لزم «التيار الوطني الحر» الصمت لساعات، وبدا أنه أُصيب في الصميم، لأنه لم يتوقع التصويب على عودة مَن طالب بعودتهم بموافقة «حزب الله»، ومن منابر لا تطلق هكذا حملات إلّا بموافقة الحزب، ثم بدأ سيل الصور التي تجمع الفاخوري في سفارة لبنان بواشنطن، فكانت صورته مع قائد الجيش العماد جوزف عون التي بيّن التحقيق التقني أنّ أحد الكتاب اللبنانيين المقيمين في أميركا قد نشرها، ثم وُزّعت عبر وسائل التواصل صورة مدير المخابرات على أنه العميد الياس يوسف الذي استقبل الفاخوري في المطار، وقد أضفى مصدر تسريب هذه الصورة الخاطئة على المشهد غرابة وتساؤلات كثيرة، علماً أنّ العميد يوسف خضع للتحقيق وتبيّن أنه مجرد ناقل للفاخوري بحكم قرابة عائلية.
سعى العماد عون قبل انتخابه رئيساً، وبعد انتخابه للإيفاء بوعده، في قضية العملاء، فقدّم مشروع قانون أقر في مجلس النواب عام 2018، في شأن عودة هؤلاء، وما أن بدأت وزارة العدل بوضع آلية تنفيذية لتطبيق القانون حتى أتت قضية الفاخوري، لتعيد وعد «تفاهم مار مخايل» الى الصفر. ربما كان على عون كما يقول مراقبون أن يبحث في شطب اسماء هؤلاء عن البرقية 303 في مجلس الوزراء بدل مجلس الدفاع الأعلى، أي بوجود وزراء «حزب الله»، لكشف الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في «تفاهم مار مخايل».