دعا مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الدولة اللبنانية إلى تكثيف وجودها في جميع الملفات المعنية بها وعدم إفساح المجال أمام حزب الله للإمساك بزمام المبادرة بالنيابة عن الحكومة، لأنه يضع لبنان في دائرة الخطر، وحذّر من وقوف الحزب إلى جانب إيران في حال تصاعد التوتر في المنطقة، وبلغ ذروته لأنه في هذه الحالة يجر الويلات على لبنان.
هذه عيّنة من التحذيرات التي أطلقها شينكر خلال جولته على رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري وعدد من قادة الأحزاب، مع أن حضوره إلى لبنان جاء على خلفية الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة بين لبنان وإسرائيل بغية تهيئة الأجواء للوصول إلى تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين برعاية الأمم المتحدة.
لكن شينكر الذي خلف ديفيد ساترفيلد – الذي عُيّن سفيراً لبلاده لدى تركيا – في هذه المهمة لم يتقيّد بجدول الأعمال المنصوص عليه في الوساطة الأميركية، بل تجاوزه، ما سمح له البحث في عدد من القضايا ذات الصلة المباشرة بالوضعين الإقليمي والدولي وارتداداتهما المباشرة على الوضع الداخلي في لبنان.
وعلمت “الشرق الأوسط” من مصادر سياسية مواكبة للمحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي في بيروت أن الأخير تطرّق إلى الوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية، كما شدد في لقاءاته الرسمية إلى الإسراع في الوصول إلى تفاهم يفتح الباب أمام لبنان للالتفات إلى تلزيم التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة.
في هذا السياق، تحدّث شينكر عن ضرورة التلازم بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، إنما على طريقته، فيما يصر الرئيس بري على إدراجها في صلب الوساطة الأميركية.لكن شينكر لم يدخل في التفاصيل، بذريعة أنه يعمل الآن على إعداد الملف الخاص به وإن كان يميل بلا تحفّظ إلى تأييد ما طرحه سابقاً في هذا الخصوص الموفد الأميركي فريدريك هوف.
كما أن فرض عقوبات أميركية على “جمال ترست بنك” حضر بامتياز في لقاءات الرؤساء الثلاثة مع شينكر الذي رد على تساؤلاتهم بعودته إلى ما ورد في اللائحة التي أعدتها وزارة الخزانة الأميركية لجهة أن لدى هذا المصرف حسابات مالية لمؤسسات تابعة لحزب الله.
ونُقل عن الرئيس بري قوله للمبعوث الأميركي: “نحن لسنا من الذين يريدون شن الحروب ونبحث دائماً عن تدعيم استقرارنا في ظل الاختلال الحاصل في المنطقة”. ورد شينكر بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها مع أنه قيل له إنها هي التي أسقطت القرار 1701 وأخلّت بقواعد الاشتباك.
ولاحظت المصادر السياسية أن شينكر لم يقف في مداخلته عند حدود الحق الذي يعطيه لإسرائيل للدفاع عن نفسها، وإنما طرح ملف الخروق من وجهة نظره، في محاولة لرمي مسؤولية خرق القرار 1701 على حزب الله.
في هذا السياق، رأى شينكر أن الخروق للقرار 1701 متبادلة وليس صحيحاً إن إسرائيل وحدها هي التي تخرق هذا القرار، وسأل: ألم يخرق حزب الله القرار عندما قام بحفر الأنفاق من داخل الأراضي اللبنانية في المنطقة الحدودية وصولاً إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، مع أنه حاول الرد على الحملة التي استهدفته من خلال ادعائه بأن حفرها حصل قبل حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701، وتبين أن بعض هذه الأنفاق حُفِر حديثاً.وواصل شينكر حملته على حزب الله على خلفية أنه يخرق القرار 1701، وسأل عن الدوافع التي أملت على قيادته اتخاذ قرارها بالرد على إسرائيل في حال أنها استهدفت مواقعه في سوريا؟ وقال إن هذا الحزب يشكل الذراع الأمنية والعسكرية المتقدّمة لإيران وهو يخطط لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وإلا لماذا يوجد عسكرياً وأمنياً في عدد من دولها بدءاً بسوريا ومروراً باليمن والبحرين وانتهاءً بالعراق؟
وشدد على أن لا عودة عن العقوبات المفروضة على إيران وحزب الله باعتبار أنهما يقفان وراء العمليات الإرهابية في المنطقة. في مقابل تكرار موقف واشنطن بدعم وتسليح الجيش اللبناني والوقوف إلى جانب الدولة لتفرض سيادتها وسيطرتها على جميع الأراضي اللبنانية، وألا يكون هناك سلاح خارج السلاح الشرعي، كما جدد تأييد واشنطن لحكومة الرئيس الحريري ومقررات مؤتمر “سيدر” لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية.
ولدى تطرّق شينكر إلى ضرورة تكثيف وتفعيل وجود الدولة لئلا يكون لحزب الله اليد العليا في الهيمنة على قراراتها، وتحديداً السيادية منها وصولاً إلى وضعه البلد في دائرة الخطر الشديد، توقف أمام سقوط أو إسقاط الطائرتين اللتين سيّرتهما إسرائيل فوق الضاحية الجنوبية لبيروت، وسأل عن الأسباب التي حالت دون قيام الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية ومنذ اللحظة الأولى لوقوع هذه الحادثة بالإمساك بزمام المبادرة، بدلاً من أن تترك الأمر للحزب؟
وهنا قيل له إن الدولة كانت حاضرة من خلال أجهزتها. فردّ متسائلاً: متى حضرت الدولة؟ وبعد كم ساعة من سقوط الطائرتين؟ ولماذا لم يسمح حزب الله للأجهزة الرسمية بالكشف عنهما بدلاً من أن يبادر إلى نقلهما من مكان سقوطهما إلى مكان آخر؟ أما القول بأنه سلمهما إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني فهذا صحيح، إنما بعد مضي نحو أسبوع على الحادثة، ما أتاح له طوال هذه الفترة الكشف عليهما بغياب الدولة.
ويُفهم من كلام شينكر أن تغييب الدولة ومنعها من القيام بما هو مطلوب منها لا يخدم التعامل معها كمرجعية لديها القدرة، في ضوء الإمساك بملف هاتين الطائرتين، على التحرّك أممياً، ما يتيح لها فرصة التوجّه إلى المجتمع الدولي من موقع قوي تحت عنوان أن تسيير إسرائيل لهاتين الطائرتين يشكل خرقاً للقرار 1701 واعتداء على السيادة اللبنانية، بدلاً من أن يُترك القرار لحزب الله، وهذا ما يُضعف – كما تقول المصادر السياسية – الموقف اللبناني الرسمي، باعتبار أن المواجهة بقيت محصورة بين إسرائيل وحزب الله الذي قام بالرد على العدوان.