ضاع المسؤولون وضعنا معهم، ولم يعد معروفاً إن كنا سنتخطى فعلاً المحنة بهذا النهج المتناقض. فقبل أن يجف حبر ورقة بعبدا الإنقاذية نزلت زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مؤتمر “سيدر” بيار دوكان كالمطرقة على رأس الدولة، “داخوا الشباب ودوخونا معهم”.
في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي ومؤسساته الدولة بتخفيض عجز موازنة 2020 الى 6.5 في المئة من الناتج المحلي عبر الإصلاح ورفع أسعار الخدمات وفرض ضرائب جديدة، يجزم وزير المالية علي حسن خليل بأن “موازنة 2020 المقدمة من وزارة المال لا تتضمن أي ضرائب أو زيادات على الرسوم ولا على البنزين ولا رفع لضريبة TVA فيها”. يطالب المجتمع الدولي الحكومة بالاصلاح وترد الاخيرة ببدء عملية إنقاذ جدية، فيأتي التكذيب من وزير المالية “هل يعقل بعد سنة و8 أشهر من التلزيم المباشر لمعمل دير عمار، لم يتمّ حل القضية؟ إن هذا التأخير كلف خزينة الدولة مليار دولار”. يقول دوكان “لا يمكن إيجاد مؤشر اقتصادي واحد ليس سيئاً”، يردون “ليست الامور على هذا القدر من الخطورة”. يطلب مقرر “سيدر” زيادة تعرفة الكهرباء، ترد وزير الطاقة بـ “لا يمكن زيادة تعرفة الكهرباء على مواطن يدفع الفاتورة مرتين إن لم تُؤمن التغذية”. وحُل المسألة إن كانت تُحل!
ضعيف شكلاً ومضموناً
لم تقدم الدولة لغاية اليوم أي إشارة توحي للمجتمع الدولي بالجدية، وتبرّد قلوب المواطنين المتزاحمين على أبواب السفارات، ” حتى أن اجتماع بعبدا الإقتصادي الانقاذي أتى ضعيفاً وأقل من المتوقع في الشكل والمضمون”، يقول رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين فؤاد رحمة. ويسأل “هل كانت هناك ضرورة لعقد إجتماع كي نلحظ خطورة الوضع؟ فإن كانوا لم يلحظوه لغاية اليوم فهذا أمر خطير جداً. أو ان هذا الإجتماع لدفن المشاكل؟ حيث إن كنت لا تريد العمل تعقد الاجتماعات”.
على الرغم من التوصيف الدقيق للأزمة في الإجتماع فإن القطاع الخاص، لم يعد يهمه سماع المشاكل وتلقي المقررات، فأركانه يتطلعون الى بدء عملية التنفيذ. ورغم إظهار المعنيين معرفتهم بالداء والدواء، خرجت الورقة كإعلان نوايا حسنة، لكن من دون أرقام ولا جدية في التطبيق، “فهل يحتاج اعداد موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية إلى اجماع وطني، وهل يكفي تخفيض عجزها بالنسبة المئوية فقط، وليس بالارقام، وهل يعقل أن يكون تخفيض الانفاق الجاري، والذي يشكل تمويل الكهرباء سببه الاساسي، بحصر السلفات الى المؤسسة بـ 1500 مليار ليرة من دون ذكر مجلس الادارة والهيئة الناظمة للقطاع؟”، يسأل رحمة. جردة حساب
المسائل بحسب تجمع رجال الاعمال جرت معالجتها محاسبياً. وبجردة حساب لورقة بعبدا الإنقاذية يظهر ما يلي:
– اقرت الورقة “اجراء مناقصة عمومية عالمية لشراء المحروقات لصالح كهرباء لبنان ضمن دفتر شروط يعتمد على الشفافية”، فيما كان الاجدى أن تكون مشتريات كل المشتقات النفطية عبر الدولة ومن أعضاء “جامعة الدول العربية” الغنية بالنفط، وذلك عبر فتح اعتماد في المركزي للدفع، على ان يبقى جزء من الدفعات كوديعة تحسّن ميزان المدفوعات.
– جُمّدت “زيادة الرواتب والاجور لمدة 3 سنوات (…)”، فيما المشكلة ليست في الرواتب فقط، بل في غياب التحفيزات للموظفين. وكان الافضل معرفة الحجم الحقيقي للقطاع العام وتحديد الحاجة الفعلية من الموظفين والتصرف بالفائض.- حددت “التعاون بين مصرف لبنان ووزارة المال من اجل تحسين ادارة الدين العام وتخفيض تدريجي للفوائد”، انما لم تذكر الآلية ولا الطريقة، هذا ولم يرد هذا المقترح في الورقة الختامية التي صدرت بعد الاجتماع من بعبدا.
– وردت السياسة الاقتصادية كعنوان خال من الارقام.
– تضمنت المقترحات زيادرة في الضرائب والرسوم، فيما لم يعَد ذكرها في البيان الختامي.
– غابت التحفيزات عن القطاعات الانتاجية، وتحديداً عن القطاع العقاري.
– لم تلحظ الورقة تعديل الاتفاقيات التجارية، خصوصاً مع البلدان التي يواجه ميزان مدفوعاتنا معها عجزاً كبيرا.ً – لم تَذكر اللامركزية الادارية .
– لم تتطرق الى آلية ضبط مشتريات الدولة. -أغفلت الخصخصة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص ولم تظهر الا في مكان واحد.
الحل بمقترحين
“كنا رضينا بإصلاحين جديين وصفقنا للخطة” يقول رحمة، ” إنما مع الاسف لم تجر معالجة الامور بشكل جوهري، وكان يكفي السير بهذين المقترحين لحل المشكلة بشكل سريع: الاول، يتمثل ببدء الخصخصة بشكل جدي، وهو ما يؤمن للدولة ما يقدر بـ 10 مليارات دولار، تساهم في إطفاء جزء من الدين العام، وتنعكس انخفاضاً في كلفة خدمته السنوية بما لا يقل عن 750 مليون دولار. والثاني، الاتفاق على إقراض الدولة من المصارف بصفر في المئة فائدة، مقابل إصلاحات جدية وليس شعارات”.
المصدر : ام تي في