بقلم طوني خوري
من الطبيعي ان يشير الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته التي القاها، الى ان ما شهده حي ماضي في الضاحية الجنوبية امر “خطير جداً جداً”، لانه بحسب نصر الله، اخلّ في قواعد الاشتباك التي كانت سائدة منذ العام 2006. في الواقع، لم تكن الامور بعيدة عن توقّع اعلان الحرب رسمياً بين حزب الله واسرائيل على الجبهة اللبنانيّة، انما وفق مفهوم جديد سنرى نتائجه بشكل ملموس قريباً.
لا يحتاج الامر الى الكثير من التفكير والتحليل لمعرفة ان ما قامت به اسرائيل في الضاحية الجنوبية، حظي بموافقة اميركية-روسية، فالروس باتوا اليوم لاعبين اساسيين في المنطقة ولا يمكن لاحد ان يستغفلهم او يقوم بما لا يرغبون به، لانهم يعلمون أن أي تهديد للمنطقة سيطالهم بشكل اساسي، وبالتالي ليس من الممكن السماح بالتعاطي معهم بمنطق “المفاجآت”. ولكن في المقابل، يبدو ان الروس والاميركيين مطمئنون الى مستوى الرد الذي يحضره الحزب.
واقع الامور في المنطقة اشار بما لا يقبل الشك الى أنّ الحرب اندلعت بشكل مباشر ورسمي، ولكن وفق مفهوم الطائرات المسيّرة، فمن اليمن والسعودية الى العراق وايران واسرائيل، كانت الحرب قد حصلت في هذا المجال، ولكنها اليوم اخذت صفة رسمية بانضمام حزب الله اليها فوق الاجواء اللبنانية. لا يقدر الحزب ان يرد في الاجواء السورية عبر الجو، لان الروس لن يسمحوا بذلك، اما في لبنان فالوضع مغاير تماماً ويستطيع القيام بهذا الامر. كان في غاية الاهمية اشارة نصر الله الى ان الرد سيستهدف الطائرات المسيّرة فقط، وتقع اهميته في نقطتين: الاولى انه لن يكشف عن الصواريخ القادرة على اسقاط الطائرات الحربيّة الاسرائيليّة التي تخرق الاجواء اللبنانيّة، والثانية أنّ المعادلة الجديدة تسمح له باظهار قدراته الجويّة بعد ان اظهر قدارته البريّة والبحريّة في العام 2006. دخل الحزب الحرب، انما يبقى ان نعرف مدى قدرته على خرق السقف الموضوع، فالتهديدات التي اطلقها نصرالله قد تعني اضافة الى اسقاط الطائرات الاسرائيليّة المسيّرة، امكان اطلاق مسيّرات من قبله الى الداخل الاسرائيلي، وهذا ما يفسّر دعوته الى سكّان المستوطنات بتوخّي الحيطة والحذر وعدم الشعور بالامان.
ويدرك الاسرائيلي ان تهديدات حزب الله لا تشبه تهديدات الرئيس السوري بشار الاسد بالرد على القصف الاسرائيلي الجوي لبلاده، فالحزب قادر على تنفيذها. وحتى هذه النقطة، يمكن القول ان الامور “مقبولة” وقد تخلق معادلة جديدة قوامها طائرة مسيّرة من هنا، تقابلها أخرى من هناك، ولكن هل سنشهد عمليات بريّة، خصوصاً وان مثل هذا الامر من شأنه ان يغيّر كثيراً في المشهد العام وقد يؤدي الى خرق السقف المحدد سابقاً، وربما الى تدهور للاوضاع بشكل سريع. لذلك، لا يجب الاستخفاف بما تشهده المنطقة حالياً، وانما من المهمّ ايضاً ابقاء نظرة على ما يحصل في فرنسا بعد وصول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اليها خلال انعقاد “مجموعة الدول السبع” وما ستسفر عنه، لانّ هذه النتائج ستنعكس حتماً على المنطقة ولو بنسب مختلفة، ان في اليمن وسوريا العراق ولبنان.
في الحصيلة، ليس من مصلحة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الدخول في حرب واسعة، لانها قد تنهي مسيرته الرسميّة، فضلاً عن تعقيدات كبيرة سيضعها في ملعب اميركا وروسيا، كما انه ليس من مصلحة حزب الله الدخول في حرب مماثلة لان انعكاستها ستزيد من الضغوط الاقتصاديّة عليه والاهمّ انها سترتد ضدّه سلباً في الداخل اللبناني، وليس من مصلحة روسيا واميركا انطلاق شرارة الحرب الشاملة لانها ستضع المنطقة ومصالحهما في المجهول. فما هي الضمانات التي حصل عليها نتانياهو، والى أيّ مدى سيذهب حزب الله في المواجهة؟ قد تكون بوادر الجواب في فرنسا.