رغم الارتياح الذي نتج عن المصالحة التي جرت في قصر بعبدا وعن زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الأميركية، ما زالت الحالة في لبنان تتأرجح بين مد وجزر، ويغلب على هذه الحالة سمة التسابق لإحداث تغييرات جوهرية على التوازنات القائمة، وتبدو بعض الأطراف غير مقتنعة بالوقائع القائمة، بل أنها تطمح لاستثمار الظروف بشراهة أقوى، اعتقادا منها أنها تستطيع أن تفرض معادلات جديدة تصل الى حد إلغاء الآخرين، على طريقة تغريدة النائب في التيار الوطني الحر زياد أسود «ما كتب قد كتب».
تقول أوساط سياسية لـ «الأنباء» إن الفرص السياسية الإنقاذية للوضع السياسي والمالي التي ظهرت في الأيام الماضية، تكاد تجهض تحت تأثير المبالغات السياسية لفريق العهد وحلفائهم، لأن مناخ الاستفادة من هذه الفرص يحتاج الى استرخاء سياسي، والواضح أن هذا الفريق لم يدخل فعليا في أجواء الاسترخاء السياسي، وخطاب هذا الفريق يتصاعد يوما بعد يوم مهددا مصالحة بعبدا.
وتعطي هذه الأوساط مثالا على ذلك: تصريحات وزير الدفاع إلياس بوصعب وخطاب النائب طلال ارسلان وكلام رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، مضافا اليهم بعض جوانب حديث رئيس الجمهورية الذي تناول مسألة الخطة الدفاعية و«تصحيح الطائف» كما قال، ومجمل هذه المواقف لا تصب في خدمة التهدئة.
وتذكر الأوساط السياسية ذاتها بعض الأمثلة عن الرسائل الثمنية التي وجهت للعهد وفريقه، ولكنها كانت بمنزلة الفرص الضائعة، لأن فريق العهد وحلفائه يريد فرض وجهة نظر محددة، لا تأخذ بعين الاعتبار آراء الطرف الآخر، وذلك بهدف الوصول الى هيمنة كاملة على مفاصل الدولة، وتأمين فرص الاستمرار في المواقع الرئاسية، مقابل تأمين خدمات استراتيجية لمحور الممانعة، على اعتبار أن الظروف تغيرت، ولم يعد يصلح الحديث عن الإستراتيجية الدفاعية، ولا عن حصرية وجود السلاح بيد القوى النظامية وفقا لما جاء في اتفاق الطائف، وفي مندرجات القرار 1701 الذي وافق عليه لبنان، بينما لا يتوانى البعض من فريق العهد في طرح خطة أمنية للجبل الذي لم يحصل فيه أي حادث أمني منذ 30 عاما، باستثناء هجومات مايو 2008 وعمليات إطلاق نار متفرقة قام بها عناصر محسوبين على هذا الفريق ذاته.
من الرسائل الثمينة التي وصلت الى هذا الفريق السياسي منذ بداية العهد: اتفاق معراب الذي أخذ منه فريق العهد ما هو في مصلحته، أي الرئاسة والإجماع المسيحي، ولم ينفذ باقي البنود التي تعني الطرف الآخر، أي القوات اللبنانية.
أما تفاهمات باريس مع تيار المستقبل، فقد استثمرت من قبل فريق العهد على أكمل وجه، بما في ذلك فرض شروط على التشكيلات الحكومية وفي قانون الانتخاب وفي غير ذلك، بينما عانى فريق رئيس الحكومة من استنزاف سياسي من جراء مبالغات فريق العهد، وصل الى حد الكفر بالتسوية على حد تعبير قيادات من تيار المستقبل.
ومن الرسائل الثمينة التي تم إجهاضها: ما قدمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من تنازلات، بدأت بالمشاركة بانتخاب الرئيس ميشال عون، مرورا بترك مقعد نيابي درزي شاغرا في قضاء عاليه، وهذا المقعد الذي أكدت الأرقام سهولة الفوز فيه، حرم جنبلاط من الحصرية في التمثيل، وما تعنيه هذه الحصرية من «ڤيتو» يمكن أن يستخدمه جنبلاط عند أي محطة دستورية، وصولا الى الرسائل الايجابية الأخيرة التي حملتها زيارة الترحيب لوفد الجبل الى الرئيس عون في قصر بيت الدين.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال الإيجابيات التي أبداها الرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية والنائب سامي الجميل تجاه فريق العهد، ولم تقابل بالمثل، بل ان هؤلاء محل اتهام بالنسبة لبعض قيادات التيار الوطني الحر.