أخذ كلام رئيس الجمهورية ميشال عون قبل يومين حول «تغيّر كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها»، بسبب تغيّر ظروف واوضاع المنطقة عسكريا وامنيا وسياسيا، ابعاداً في غير محلها، وجرى استثمارها سياسياً لمزيد من النقد لتوجهات الرئيس عون، خاصة لجهة دعمه المعلن للمقاومة بوجه الاحتلال الصهيوني، لكن توضحيات مكتب اعلام القصر الجمهوري ربما يكون قد صوّبت فحوى الكلام نحو الاتجاه الصحيح.
فبعد الحرب في سوريا والتدخلات الدولية والاسرائيلية العسكرية الواضحة في هذه الحرب، وبعد الصراعات الاقليمية والدولية الناشئة لا سيما في الخليج، والتهديدات المتتالية من قبل العدو الصهيوني للبنان، بات من الطبيعي ان يتم طرح جديد مغاير للمشاريع التي وضعت خلال طاولات الحوار المتتالية في قصر بعبدا، ومع ذلك اكد المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية ان الامر يبحث عبر طاولة حوار وطني موسع للاتفاق على اي استراتيجية جديدة يمكن ان تُتبع في ظل المتغيرات العسكرية الاستراتيجية التي طرأت.
واكدت اوساط رئاسة الجمهورية لـ «اللواء»، ان الاستراتيجية الدفاعية مطروحة للبحث، ولكن التركيز الآن هو على اولوية توفير الجو التوافقي للبحث في الموضوع، ومعالجة الملفات الكثيرة والحيوية التي لا بد من حلها في مجلس الوزراء، ولا سيما ملفات الاصلاح المالي والاقتصادي وإقرار موازنة 2020، لما ترتبه من تداعيات سلبية على اوضاع البلد، ومنها ايضا ملفات الكهرباء ومترتبات مؤتمر» سيدر». وهي باتت حاجة ملحة لإنقاذ البلد من ازماته، وهذا الامرموضع توافق كل الاطراف السياسية
وعلى خط موازٍ، تشير مصادر الرئاسة الى ضرورة توافر الظروف الموضوعية للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، وتقول: حين تنضج الظروف الداخلية في اجواء توافقية، وبعد معالجة الازمات الاقتصادية والمالية لا شيء يمنع من طرح الموضوع، فلا الرئيس عون قال انها مؤجلة او منسية كما فسّر البعض كلامه، ولا هوتهرب من طرحها، خاصة انه سبق وطرح مشروعه للاستراتيجية الدفاعية في طاولة الحوار
و«حزب الله» من جهته يعتصم بالصمت حيال امور حيوية واساسية كهذه يمكن ان تشكل مزيدامن الخلاف او الانقسام، إلا في حالات قليلة جدا، يكون فيها الكلام للامين العام السيد حسن نصر الله، وهو سيطل في الخامسة والنصف من عصر الاحد المقبل، خلال احتفال الذكرى السنوية الثانية «لنصر الجرود» على الارهابيين من مدينة العين- بعلبك، وقد يتطرق – وقد لا يتطرق – الى الموضوع، وذلك حسب التقدير السياسي لدى الحزب لحساسية او اهمية طرح هذه المسألة للنقاش الان، خاصة ان كلمات قليلة للرئيس عون حول الموضوع اثارت ضجة في غير موضعها وخضعت لتفسيرات وتأويلات لم يكن يقصدها، لكنه اكتفى بتوصيف الوضع على امل طرح الموضوع للنقاش في وقت مناسب لمصلحة البلد.
وهنا ثمة من يشير الى ان طرح الاستراتيجية الدفاعية الان، وفي وقت يستعد لبنان لمحادثات متجددة مع المبعوث الاميركي الجديد دايفيد شينكر حول ترسيم الحدود البحرية والبرية، قد لا يكون ذي جدوى، قبل التيقن من التوجهات الاميركية والاسرائيلية حيال حقوق لبنان في ارضه ومياهه البحرية، وما يمكن ان تصل اليه المحادثات المقررة في ايلول المقبل، حسبما اعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري. فموضوع حقوق لبنان البحرية في النفط والغاز بات مثلا عنصر مواجهة جديدة مع العدو الاسرائيلي، ولا يعرف احد كيف ستتجه الامور. هل الى توافق برعاية اميركية – دولية ام الى مواجهة سياسية، قد تتحول الى عسكرية، اذا تبنى الجانب الاميركي وجهة نظر العدو الاسرائيلي على حساب مصالح لبنان السيادية والاقتصادية الكبرى، فهذه المصالح الاستراتيجيةالكبرى تفرض نفسها على اي توجه دفاعي يجب ان يعتمده لبنان حفظا لحقوقه في المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، بعدظهور الاطماع الاسرائيلية الواضحة في قسم من بلوكات النفط والغاز اللبنانية.