الرسائل التي بعث بها رئيس الجمهورية من مقر الرئاسة الصيفي في بيت الدين في دردشة مع عدد من الصحافيين تمحورت حول نقطتين اساسيتين اولهما تركيز الرئيس عون على أهمية وضرورة التنسيق والتعاون بين الرؤساء الثلاثة، وثانيهما تراجعه عما أعلنه قبل الانتخابات النيابية من الدعوة بعد هذه الانتخابات إلى عقد طاولة الحوار الوطني لاستئناف النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية مبرراً تراجعه بأن الظروف قد تبدّلت ولم يعد ثمة مبرر للاستراتيجية الدفاعية، هذه الرسائل ما زالت موضوع تقييم على أعلى المستويات، وفق ما نقله مصدر بارز في قوى الرابع عشر من آذار الذي اعتبر في معرض تقييمه للرسائل التي بعث بها رئيس الجمهورية انه أراد من دعوته إلى التعاون مع رئيسي مجلسي النواب والحكومة أن يعترف للبنانيين المحبطين من سياسة الحكم المتبع خلال السنوات الثلاث الماضية والتي اوصلت البلاد إلى حدود الكارثة وفق تقارير الصناديق والمؤسسات الدولية وما هو متوقع في التصنيف الذي تعده ستاندر اندبورز والمتوقع صدوره نهاية هذا الأسبوع بفشل نظرية الرئيس القوي التي حمل لواءها وورطه في لعبتها صهره رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل على حساب نظرية التوافق بين الرؤساء الثلاثة التي أرساها اتفاق الطائف وأطلق عليها منذ ذلك التاريخ ترويكا الحكم إستناداً إلى النصوص التي وضعت في الطائف وكرسها الدستور.
واعتبر المصدر نفسه ان هذا الاعتراف من قبل رئيس الجمهورية، أتى بعد ثلاث سنوات من التجارب الفاشلة التي خاضها الحكم على قاعدة الرئيس القوي الذي يملك وحده حق الإمساك بقرارات الدولة دون باقي المكونات التي نص عليها اتفاق الطائف، الأمر الذي من شأنه في حال صدقت النوايا ان يُعيد تحريك عجلة الدولة وتفادي الوقوع في الهاوية التي نبهت إليها أكثر من جهة دولية معنية مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالشأن اللبناني الداخلي من منطلق حرصها على المحافظة على استقراره وتقدمه وازدهاره.
وتمنى هذا المصدر على رئيس الجمهورية ان يقرن ما أعلنه في دردشته مع الصحافيين بخطوات عملية في اتجاه الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري لوضع خطة متكاملة كفيلة بمواجهة كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي يتخبط بها البلد نتيجة سياسة التفرد بالقرار التي كانت متبعة في السنوات الثلاث الماضية والتي أدّت إلى ما أدت إليه من انهيارات على كل المستويات، ومن احباطات عند اللبنانيين كافة الذين أملوا بأن يكون عهد الرئيس عون انطلاقة للبنان لكي يستيعد دوره في الإقليم وعلى المستوى الدولي، كما كان عليه الحال في السابق.
ودعا المصدر رئيس الجمهورية إلى ان يبدأ فوراً في وضع ما أعلنه من بيت الدين موضع التنفيذ، مستفيداً من تجاوب رئيسي مجلسي النواب والحكومة مع الرسائل التي بعث فيها، ومستفيداً من عودة مجلس الوزراء إلى استئناف جلساته بعدما أدت حادثة قبرشمون وما رافقها من مزايدات أحد الأطراف المعنية إلى تعطيل أعماله بانتظار الوصول إلى حل للأزمة التي خلفتها تلك الحادثة وأعادت إلى ذاكرة اللبنانيين ذكرى أهوال الحرب الأهلية التي خربت هذا البلد وأدت إلى تهجير المسيحيين من الجبل الذي يُشكّل عند اللبنانيين القاعدة الأساسية لوحدة الوطن.
ويرى المصدر أن الكل بات ينتظر أن يترجم رئيس الجمهورية ما أعلنه من بيت الدين، إلى خطوات عملية، في خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، مستنداً في ذلك إلى التجارب التي مرّت بها العهود السابقة والتي استندت إلى ما نص عليه اتفاق الطائف لجهة تعاون السلطات وتوازنها وكانت تجاربها ناجحة إلى حدّ كبير فيما كان مصير التجارب التي خرجت على هذا النص واعتمدت على التفرد في الحكم إلى الفشل الذريع وهو ما اكتشفه الرئيس الحالي خلال السنوات الثلاث الماضية من حكمه.
ومن باب التذكير يقول المصدر بأن رئيس الجمهورية ومن حوله يعرفون ان النظام الذي أرساه اتفاق الطائف يقوم على ثلاثة أعمدة متوازنة هي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء، وأعطى كل واحد من الثلاثة حق «الفيتو» كما هو حال النظام المتبع في مجلس الأمن الدولي والذي أعطى كُلاً من الدول الخمس الدائمة العضوية حق تعطيل أي قرار يتخذه مجلس الأمن الدولي وذلك باستخدام حق النقض على الفيتو، ومن البديهي ان المسؤولين اللبنانيين كافة يُدركون جيداً هذه المقاربة بين نظام مجلس الأمن الدولي وبين النظام اللبناني الذي نص عليه اتفاق الطائف ومارسوا هذه التجربة سلباً وإيجاباً منذ ان أصبح هذا الاتفاق الدستور الدائم الذي يرتكز عليه لبنان واللبنانيون بكل مكوناتهم الطائفية والمذهبية.
ويتأمل المصدر أن يترجم رئيس الجمهورية دعوته رئيسي المجلس النيابي والحكومة إلى التعاون بخطوة عملية على هذا الصعيد تشكّل فاتحة لعهد يحمل معه الكثير من الآمال إلى اللبنانيين في تحقيق العدالة والمساواة وقطع دابر الفساد الذي ينخر جسم الدولة، مع الالتزام الكامل بالطائف الذي نص على توازن السلطات الثلاث وتعاونها، أي على حكم الترويكا كما وصفه الرئيس الراحل الياس الهراوي بعد تجربته الفاشلة في التفرد في الحكم، إلا أن ما يخشاه هذا المصدر هو أن يبدل رئيس الجمهورية موقفه الذي اطلقه من بيت الدين استجابة للضغوط التي يُمكن ان يتعرّض لها ممن يدورون في فلكه ويحرضونه على التمسك بسياسة التفرد والاستئثار مستندين في ذلك إلى تراجع رئيس الجمهورية عن قراره بدعوة هيئة الحوار الوطني إلى استئناف اجتماعاتها للبحث في الخطة الدفاعية، علماً بأن هذا الأمر جاء في السابق بناءً على توافق الرؤساء الثلاثة وكان على رئيس الجمهورية ان يحافظ على هذا الاتفاق حتى لو لم تؤدِّ طاولة الحوار إلى أية نتيجة بالنسبة إلى السياسة الدفاعية استناداً إلى المتغيّرات التي أشار إليها رئيس الجمهورية في معرض تبريره لعدم الدعوة إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية.
ويبقى المهم في نظر المصدر نفسه أن تترجم رسائل الرئيس إلى خطوات عملية قريباً لكي يستقيم الحكم ويستعيد عافيته بعيداً عن نظرية الرئيس القوي التي أثبتت التجربة الحالية فشلها وعدم جدواها.