ليبانون ديبايت – عبدالله قمح
ربما من السّابق لأوانه الحديث الآن عن الجهة التي ستخلف تلفزيون المستقبل، لكن يصبح السؤال منطقياً عند رصد حركة تنقل التلفزيون مع دخوله في “مضيق مجهول” منذ مدة، ما أوحى أنه مقبل على زمن عرضه للبيع في مزادٍ علني!
وأصلاً، الخوف على مصير “الشّاشة” الزرقاء لم يعد سراً. شفاه الموظفين تكفي وهي تتناول هذه الفرضية وتتحدث عنها بصراحة، سيّما مع بروز أكثر من علامة إستفهام تكوّنت من جملة خيارات جرى إتخاذها كإغلاق صحيفة المستقبل وتحويلها إلى موقع إلكتروني “لطيف”، و”التقشف” الجاري إتباعه بصورة واضحة بلغت حدود إجراء عمليات دمج وهيكلة على جسم القناة التي لم تبلغ الثلاثين بعد، على نحوٍ أتاح تقليص حدودها من الحمرا وسبيرز إلى طابقٍ واحد في سن الفيل.
المُشكلة المعلنة، أو أقلّه التي يجري الحديث عنها، تحمل عنوان أزمات مالية يرزح تحت وطأتها الرّئيس الحريري وقد تسببت أولاً في التّأثير سلباً على صعيد خطط البرامج حيث خلت القناة من أي برنامج أو فكرة منافسة أو حتى مسلسل درامي جيد، ثم مضاعفة التأثيرات على الموظفين الذين لم يجدوا بعد تصريفاً للوعود التي كيلت عليهم من الحريري نفسه في شأن تسديد مستحقاتهم المُتراكمة منذ أشهر أو تسديد حقوقهم الشهرية.
زِد على ذلك، أن البعض يرى أن تلفزيون المستقبل، تحول من منصة إعلامية تدافع عن “التيار الازرق” والجهة السّياسية التي يمثلها” إلى فرقةٍ تتبع لمجموعة مستشارين يستقرون في بيت الوسط، همهم الوحيد تطويع زملائهم “المنافسين من أصحاب الكار” على متن مقدمات نشرات الأخبار.
وما يزيد الطين بلة، أن ما تنقله أوساط من أجواء مصدرها الحريري، لا توحي بالخير أو لها أن تضع حداً للثرثرات بل تزيد الأمور سلبيةً، خاصة حين يقول لأحد المدراء الأساسيين في القناة أنه “لا يأبه بمصير الموظفين في حال بقيوا أم غادروا القناة”، وذلك رداً على تهديدات نقلها إليه. وعلى ذمّة الراوي، أوحى هذا الكلام من أن الحريري يريد “الصرفة” والإنتهاء من التلفزيون بشكله الحالي.
طبعاً هناك أمرٌ آخر هو أقرب إلى منطقة المؤامرة، إذ يشيرُ إلى أن ثمة من يسعى داخل القناة إلى تكرار سيناريو إغلاق جريدة المستقبل، حيث طيّر الصحيفة الورقية لمصلحة إنشاء موقع إخباري، والمغذى، أن نفس الجهات قد تكون ترمي من وراء تجفيف منابع “الشاشة الزرقاء” إلى تحويلها لقناة “إخبارية مصغرة” تتخذ من طابقٍ واحد في سن الفيل موقعاً لها، وتكون أقرب إلى “موقع مرئي (تلفزيون أون لاين) أكثر من كونها قناة.
ما يعززُ من هذا الكلام، المعلومات التي تقول أن رفض الحريري تسديد المتأخرات المتراكمة في القناة، وإستتباعاً إنفاق المزيد من المال عليه، ليس مرده إلى “أزمات مالية” تجتاحه، بل لغياب الدعم المالي من الدُّول الرّاعية سياسياً له وبالتالي هو غير مستعد لإنفاق فلسٍ واحد من جيبه الخاص.
لكن هذا الفعل لن يكون مفيداً أبداً للحريري الذي يحتاج، في ذروة المواجهات السّياسية التي يخوضها الآن، إلى منصة إعلامية يستل سيفها كلما أحس أن ثمّة جبهات تفتح عليه، ثم أن معارضوه، أو شركائه الجدد في الطائفة، لن يقبلوا بتصريف القناة بهذا الشكل وعلى مضض، بل قد يخرج منهم ساعياً خلفها!
أصحاب هذه النظرية يعودون إلى إتفاق الطائف، الذي وزع مغانم الحرب ومنها “المرئي والمسموع” على الطوائف، كأي غنيمة أخرى في الدولة، بحيث قسم الإمتيازات التلفزيونية السّتة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ووفق هذه القاعدة نال الرّئيس الراحل رفيق الحريري حصة السّنة وحولها إلى “تلفزيون أزرق” عام ١٩٩٣.
من هُنا، ثمّة من يعتبر أن إمتياز تلفزيون المستقبل، بصرف النظر عن إسمه أو شعاره أو لونه، هو إمتياز من أمتيازات السنة التي تم الحصول عليها كمتكسب بعيد إتفاق الطائف، وبالتالي يصبح ممنوعاً على الرّئيس الحريري التفريط بها أو التعامل معها كما يتعامل اليوم مع صلاحياته في رئاسة الحُكومة الثّالثة المعرضة للتهشيم من قبل شركائه في السّياسة.
ثم أن أصحاب المواقف الصلبة، يتكهنون من أن الحريري وفي حال اتخذ القرار بالتخلي عن إمتياز التلفزيون كمحطة وفقاً لتوصيفها في القانون، سيتيحُ لشركائه في الطائفة من وضع اليد عليها عبر محاولة شرائها مستغلين عدم قدرة الحريري على الإستمرار، أو أن رئيس مجلس الوزراء قد لا يجد ضرراً من تحويلها في فترة ما نتيجة عدة ظروف، إلى شركة على غرارِ “بنك ميد”.