“الراي الكويتية”:
لم يُبدّد إعلانُ الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري أنه مرشّحٌ طبيعي لرئاسة الوزراء «ومن دول جميلة حدا» من الغموض الذي يكتنف المسارَ الذي تتجه إليه أزمةُ تأليفِ الحكومة الجديدة في لبنان بدءاً من استحقاق تكليف الشخصية التي ستتولى تشكيلَها في الاستشارات النيابية المُلْزِمة التي حدّد رئيسُ الجمهورية ميشال عون موعدَها الخميس المقبل.
وانهمكتْ بيروت أمس في تقصٍّ مزدوجٍ، لخلفيات اختيار الحريري أن يُمْسك بيديْه ملف التكليف وخوضه بصفة «الأصيل» عوض تجيير قوّته التمثيلية إلى «وكيلٍ» كان اسمُه قبل 40 يوماً السفير مصطفى أديب الذي اعتذر عن إكمال مهمته قبل أسبوعين، ولِما إذا كانت خطوة زعيم «تيار المستقبل» التي وَضَعَها «تحت راية» المبادرة الفرنسية «التي لم تَمُت» ستُقابَل بنفس الألغام التي أطاحت بالمحاولة الأولى من مسعى الرئيس ايمانويل ماكرون.
وفيما راحت القراءات لترشيح الحريري نفسَه بين وجود دفْعٍ خارجي بهذا الاتجاه سواء على شكل تشجيعٍ أو «عدم ممانعةٍ» وبين محاولة زعيم «المستقبل» إحراج الجميع في الداخل خصوصاً الذين لم ينفكّوا يُبْدون إشاراتٍ صريحة حيال رغبتهم بأن يترأس هو الحكومة («حزب الله» والرئيس نبيه بري) ووضْعهم أمام معادلة «إما المبادرة الفرنسية وفق مُنْدرجاتها الأصلية أو الانهيار»، فإنّ ما بعد هذه الخطوة بدا في دائرة الترقب لِما إذا كان مَن أحبطوا التكليف الأول عبر تفريغ مبادرة ماكرون من جوهرها القائم على حكومة من اختصاصيين مستقلين لا تسميهم القوى السياسية، سيعطون الحريري ما لم يمنحوه لأديب.
وفي هذا الإطار، فإن الكرةَ باتت في ملعب الائتلاف الحاكم خصوصاً «حزب الله» – بري وفريق عون، لجهة إذا كان الثنائي الشيعي في واردِ التخلي عن شرط تسمية الوزراء الشيعة في الحكومة بعدما وافَقَ الحريري على أن تبقى حقيبة المال (لمرة واحدة وأخيرة) في عهدة المكوّن الشيعي كمفتاحٍ لحكومة المستقلّين عن الأحزاب، وإذا كان رئيس الجمهورية مستعداً للقبول بكسْر مبدأ «غير السياسيين» والتسليم بأن يكون رئيس الوزراء دون سواه «رئيس حزب» وهي الإشكالية التي كانت عبّرت عن نفسها بعد استقالة الحريري في 29 اكتوبر 2019 على وهج انتفاضة 17 تشرين الأول بمعادلة «الحريري و(رئيس التيار الوطني الحر) جبران باسيل معاً في الحكومة أو خارجها».
وإذ أصرّ الحريري في إطلالته التلفزيونية المطوّلة ليل أول من أمس، على أنه مرشّح على قاعدة المبادرة الفرنسية التي قامت على تشكيل «حكومة مَهمة» إصلاحية (لوقف الانهيار وإعمار بيروت) لفترة محدَّدة بستة أشهر تنأى عنها الأحزاب والقوى السياسية «وبتزيح على جنب»، لم يكن ممكناً أمس تَلَمُّس ما إذا كان «حزب الله» سيُلاقي زعيم «المستقبل» في شكل الحكومة الانتقالية ومضمونها، هو الذي كانت قيادته جاهرتْ بأنها مع تشكيلةٍ لا تعبّر عن انقلابٍ على نتائج الانتخابات النيابية (فاز الحزب وحلفاؤه بالغالبية فيها) وتمثّل الكتل النيابية وتراعي معيار التأليف القائم على تسمية كل فريق لوزرائه في الحكومة «الوطنية الفاعلة والمُنْتجة».
ولعلّ هذا ما دَفَع الحريري إلى أن يُرْفِق ترشيحَ نفسه مع مسارِ مشاوراتٍ ألْزَم نفسه بإجرائها مع كل الأطراف الذين كانوا حاضِرين على طاولة قصر الصنوبر خلال زيارتيْ ماكرون لبيروت بهدف الحصول على أجوبةٍ ليس فقط حول شكل الحكومة، بل هل مازال كل الأفرقاء مُلْتَزمين بما ورد في الورقة الفرنسية حول الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي فـ «ليس عليك أن تناقشني بشكل الحكومة إن كنت تختلف معي بالبرنامج، وإن لم يكونوا موافقين يصبح المشكل في مكان آخَر»، وذلك في ردّ ضمني على كلام السيد حسن نصرالله أخيراً حول أن إصراره على وجود الحزب داخل الحكومة مردّه إلى رغبة «في حماية ظهر المقاومة» ومنْع انزلاق لبنان إلى التسليم بشروط صندوق النقد.
وفي حين رَفَعَ الحريري سقف التحدي معلناً «أمامنا مبادرة فرنسية فإما أن نسير بها او أنا أقول صراحة لماذا سأعمل بالسياسة؟ حينها أفضّل أن أجلس في بيتي»، فإن الحيثيات الإقليمية – الدولية التي وَضَعها لإصراره على حكومةٍ بمعيار المبادرة الفرنسية ولا تشكّل استنساخاً مباشراً أو ضمنياً لحكومة حسان دياب المستقيلة بدت في ذاتها حمّالة أسئلة حول مدى إمكان تَوقُّع أن يبادر «حزب الله» إلى خطوة تَراجُعية نحو تشكيلةٍ خارج «اي تحكُّمٍ وسيطرة» سياسية، وسط اعتبار أوساط متابعة أن العقوبات الأميركية الخميس، التي أكملت وضْع كامل القطاع المالي الإيراني خلف «قضبان» حظر التعامل معها، عَكَست أن ورقة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل التي تبدأ مفاوضاتها بوساطة أميركية الأربعاء المقبل ليست قابلة لمقايضاتٍ على حساب «المواجهة الأم» التي تخوضها واشنطن مع إيران وأذرعها وفي مقدمها «حزب الله».
ومن هنا لم يكن عابراً أن الحريري الذي لم يوفّر حلفاء له في ما كان يُعرف بـ «14 آذار»، خصوصاً «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، من الانتقادات، لم يساير «حزب الله» ولا بري، وصولاً لاعتباره تعليقاً على طرح الحكومة التكنو – سياسية أن «أي حكومة لون واحد يدعمها حزب الله والفريق الذي أيّد دياب، فلا أحد (في الخارج) سيعطينا فلساً واحداً بالتأكيد. ونكون قد كررنا المشكلة نفسها (…) وهنا ألوم حزب الله لأنه كان يعلم أنه أصبح مشكلة في العالم وهو لا يستطيع ان يحمّل كل اللبنانيين المشكلة. واللبنانيون ليسوا مسؤولين عن العقوبات ضده ولا عن المجتمع الدولي الذي وضعه على لائحة الإرهاب. هذه ليست مشكلتنا وهو يعرف ذلك. وإذا أراد أن يريح اللبنانيين عليه ان يقوم بتضحيات في الداخل تسمح للشعب اللبناني بأن يعيش»، وصولاً إلى اعتباره أن موضوع الترسيم «مشي» بسبب العقوبات الأميركية التي فرضت على البعض «وكل واحد صار بدو يحمي حالو».
وغداة قول الحريري كلمته، انكفأ إلى رصد ردات الفعل ليُبنى في ضوئها المقتضى في موازاة إطلاقه مشاورات داخلية مع رؤساء الحكومة السابقين وكتلته قبل تشغيل محركاته السياسية مطلع الأسبوع، فيما جاءت أول إشارات من فريق عون عبر مصادر قريبة منه نُقل عنها أنه جرى خلط للأوراق بعد انتقال الحريري من مربع «لا أريد الترؤس إلى أريد ولكن بنعم مشروطة»، مع إيحاءات «بوجود اشارات اقليمية وفرنسية بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة ووجود تسهيلات من الثنائي الشيعي بهذا الخصوص»، مضيفة «على الحريري أن يحصل على موافقة التيار الحر والثنائي الشيعي بالنسبة إلى طرحه»