لم يكتب لما يمكن اعتبارها مبادرة فريدة لإعادة وصل ما انقطع بين ركني التسوية الرئاسية، التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، أن تعمر أكثر من أيام قليلة. بكثير من الدقة السياسية، بادرت الأمانة العامة للتيار الأزرق إلى كشف النقاب عن سلسلة حلقات حوارية مع قيادات مختلف الأحزاب المشاركة في الحكومة. لكن الأهم يكمن في أنها اختارت بعناية أن يكون زعيم التيار البرتقالي وزير الخارجية جبران باسيل، نقطة إنطلاق هذه الحلقات، في محاولة جديدة لمد التسوية الرئاسية التي تقترب من طي عامها الثالث.غير أن رسو الخيار الأول على باسيل ما لبث أن تلقى “السهام” من أهل البيتين الأزرق والبرتقالي، دافعا رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إلغاء الندوة التي كانت مقررة الأربعاء المقبل، في خطوة تؤكد أن بين الشريكين “قلوبا مليانة” لا يريد لها أحد أن تنفجر في وجه الناس والبلاد الغارقة حتى العظم في الأزمات الاقتصادية، وإن كانت ساعة طي هذه الصفحة بين الطرفين لم تدق بعد.وتشير مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” إلى أن التصاريح الأخيرة من جانب عضو تكتل لبنان القوي النائب زياد أسود الذي وجه انتقادات لاذعة إلى ما يعرف بـ “الحريرية السياسية” أتت في توقيت لافت، لجهة تزامنها مع انفجار الغضب الاجتماعي أمام أركان الحكم والحكومة، وتقاذفهما كرة المسؤوليات، إضافة إلى ما سرب من كلام (عادت ونفته أوساط حكومية) عن امتعاض رئيس الجمهورية من لقاء الحريري والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 20 أيلول الفائت.إلى هذا المشهد الملبّد، تضيف المصادر الهجومين اللذين شنهما أمس كل من تكتل لبنان القوي وكتلة المستقبل على العهد من جهة، والمناوئين للحريرية السياسية من جهة أخرى، وهي مواقف فسرت على أنها سهام سياسية أتت في غير مكانها ليتبادلها ركنا التسوية، رافعين بذلك منسوب المخاوف إزاء قدرة التسوية الرئاسية على الصمود في وجه العواصف السياسية التي لا تنفك تهب عليها من كل جانب.غير أن التيار الوطني الحر يبدو متيقناً من أن سعاة الخير سيتدخلون، كما في كل مرة، في الوقت المناسب، لانتشال التسوية من كبوتها.وفي السياق، أكدت مصادر تكتل لبنان القوي لـ “المركزية” “أن الجولة الأخيرة من الكباش مع تيار المستقبل، ليست إلا حادثا عابرا، لأن الحوار هو القاعدة والاختلاف هو الاستثناء”.وإذا كانت المصادر تفادت القنص المباشر في اتجاه رئيس الحكومة، فإن هذا لا ينفي أنها اعتبرت أن نمط العمل الحكومي من المفترض أن يكون أسرع وأفعل ومطبوعا بالحسم واتخاذ القرارات السريعة”. لكنها أكدت “أننا لسنا مع خيار “ضرب الرئيس الحريري”.وردا على الكلام عن “علاقة باردة” بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، اعتبرت أن “من المفترض أن يطلب الحريري موعدا للقاء رئيس الجمهورية”، مشددة على أن “التسوية ليست مهددة لأن لا بدائل منها في الوقت الراهن”.وشددت المصادر على أن “الخطوة الأولى على طريق فك لغم الاشتباك الأخير تكمن في مزيد من العمل الحكومي السريع في الملفات المهمة كالموازنة وخطة النفايات وسواها من القضايا الحيوية”.