يوم 26 من الشهر الماضي مثل رئيس الأركان الأميركي الجديد مارك ميلاي أمام الكونغرس الأميركي لقسم اليمين. وبعد الانتهاء من القسم ألقى كلمة مما جاء فيها: «إن الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية ليست إيران إنما الصين وروسيا، ولا أظن ان أحداً يفكر في إرسال 150 ألف جندي إلى إيران لشن حرب عليها، لأن ذلك يحيد الجيش الأميركي عن أولوياته، وهذا إن حصل سيكون أمراً سيئاً».
لكن الجنرال الأميركي الذي شارك في حربي العراق وافغانستان وله من العمر 61 عاماً أضاف: «إن توجيه ضربة من النوع الذي يريد شنّه على إيران بعد اسقاطها الطائرة الأميركية المسيرة وعاد عنه فهذا أمر آخر، وهو لا يؤثر على الأولويات، ولا يجوز لمنطقة الشرق الأوسط ان تشغل أميركا عن روسيا والصين».
في قراءة لمصدر وزاري سابق يراقب التطورات والمستجدات على الخط الأميركي- الإيراني، يتبين له ان ما قاله الجنرال الأميركي لا يختلف عمّا يراه غالبية الذين يشغلون مناصب في الإدارة الأميركية وهو إن دل على شيء فإنه يدل على ان واشنطن لا تضع من ضمن أجندتها الخارجية أي إمكانية لشن حرب واسعة على إيران، وان هؤلاء يحبذون الاستمرار في ممارسة الضغوط الاقتصادية علّ طهران ترضخ في نهاية الامر وتعود وتجلس إلى طاولة التفاوض في سبيل ابرام اتفاق نووي جديد بديلاً عن الذي نقضه الرئيس دونالد ترامب.
وإذا كان هذا المصدر يميل إلى استبعاد الحرب راهناً بين واشنطن وطهران غير انه في الوقت ذاته يُؤكّد ان لا معطيات كافية تُشير إلى ان قطار الحوار الاميركي- الإيراني قد انطلق رغم الاتصالات التي تقوم بها عدّة دول هي الكويت، سلطنة عُمان، فرنسا، اليابان وسويسرا في سبيل تحقيق تسوية بين هاتين الدولتين من شأنها إبعاد شبح الحرب عن المنطقة.
وفي رأي هذا المصدر الذي زار فرنسا في الأسبوعين الماضيين والتقى مسؤولين فرنسيين، ان مصير الوساطة التي تقوم بها الدول الخمس كل من موقعه متعلق بالوضع الانتخابي للرئيس ترامب، فبقدر ما يشعر الرئيس الأميركي بوجود تقدّم لديه يمكنه من الفوز في ولاية ثانية، بقدر ما يؤجل الحوار مع طهران، وفي المقابل فإن الإيرانيين بقدر ما يرون ترامب متراجعاً على الصعيد الانتخابي بقدر ما يتباطأون ويراهنون على المرحلة التي ستلي حكم ترامب، ولذلك من الصعب الجزم بما ستؤول إليه الأمور على هذا المستوى في غضون أسابيع مقبلة.
ويعرب المصدر الوزاري ان المملكة العربية السعودية وتحديداً ولي العهد بات على علم بأن لا حرب اميركية- إيرانية، وهو الذي كان يفضل ان تقوم الولايات المتحدة بشن هجوم خاطف على إيران لشل قدراتها العسكرية والنووية، وبما ان المملكة العربية السعودية المعروف عنها انها دولة مسالمة وتؤمن بالانفتاح وانها ليست دولة عدائية فإنها لا تمانع بأن تكون جزءاً من عملية المفاوضات إن حصلت لإبعاد شبح الحرب عن الشرق الأوسط، وهي التي تعيش في هذه المرحلة حالة من التحوّل الاقتصادي والنهضة والتحول في المجتمع السعودي، كما ان ولي عهدها يسعى للتحديث وعصرنة المجتمع السعودي على كل الصعد.
يقول المصدر الوزاري الواسع الاطلاع ان السعودية أصبحت على علم كافٍ بأن واشنطن لا تريد الحرب، وهي تلمست ذلك من عدم الرد الأميركي على الضربات التي وجهت إلى «ارامكو» والحقت بها خسائر فادحة، كما انها تبلغت ذلك صراحة وبشكل مباشر من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته المملكة بعد ضرب «ارامكو».
أمام هذا المشهد فإن قابل الأيام قد يحمل مؤشرات إيجابية تؤدي إلى فتح قنوات بين طهران والرياض، بالتزامن مع ما يُحكى عن اتصالات دبلوماسية ناشطة باتجاه عقد لقاءات أميركية – إيرانية من شأنها احتواء الحريق المشتعل في المنطقة وينهي النزاع القائم بين البلدين، من دون ان يسقط من حساباتها إمكانية حدوث خرق ما في جدار الأزمة الايرانية – السعودية قبل نهاية هذا العام، أو في مطلع العام المقبل ما لم يحدث أي طارئ يحول دون ذلك ويعيد عقارب التوتر بين البلدين إلى الوراء.
ويعتبر المصدر نفسه ان أي تقارب سعودي – إيراني يستفيد منه لبنان على كافة المستويات إذ لا يخفى على أحد ان الاحتقان الموجود حالياً بين المملكة وإيران يرتد سلباً على لبنان، نافياً ان يؤدي ما يحصل على المستوى الاقتصادي والمالي إلى انهيار لبنان، واضعاً ما حصل في اليومين الماضيين في خانة تبادل الرسائل وشد الحبال القائم بين غالبية القوى السياسية.