يتحرك رئيس الحكومة سعد الحريري في أكثر من اتجاه ونحو العديد من الدول الشقيقة والصديقة، ويخوض غمار تحديات ومصالح سياسية متشابكة بالداخل وتصاعد حدة الصراع الإقليمي والدولي بالمنطقة، بهدف إبقاء لبنان بمنأى عن هذا الصراع المتفاقم يوماً بعد يوم، بالتزامن مع جهود مساعٍ حثيثة لحل المشاكل الاقتصادية والمالية التي يُعاني منها اللبنانيون في الوقت الراهن.
لم تكن فرنسا الوجهة الوحيدة التي زارها الرئيس الحريري نهاية الأسبوع الماضي، بل سيشمل تحركه دولاً عربية شقيقة ودولاً صديقة مهتمة بلبنان وتدعم مساعي الحكومة اللبنانية لإبقائه بمنأى عن الصراعات الإقليمية الدائرة وتمد له يد المساعدة المطلوبة على الصعيدين المالي والاقتصادي.
كما هو معروف، فإن زيارة فرنسا والاجتماع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كان محورها تسريع خطى تنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر»، بعد سيل من الشائعات والمواقف الداخلية عن عقبات وصعوبات تعترض التنفيذ وأقاويل عن اعتراضات فرنسية على طريقة تعاطي الحكومة اللبنانية مع ملف التنفيذ وتجاهلها إجراء رزمة الإصلاحات المتلازمة لقرارات المؤتمر.
ويلاحظ ان الرئيس الحريري إستطاع في لقائه مع الرئيس الفرنسي وقبله مع وزير المال الفرنسي، الرد على كل الاستفسارات والتساؤلات المطروحة وتقديم جردة بكل الإجراءات والشروط المطلوب تنفيذها من قبل الحكومة اللبنانية منذ إقرار مؤتمر «سيدر» وحتى اليوم، بدءًا بإقرار سلسلة من القوانين الجديدة، إن كان خلال ولاية الحكومة السابقة أو الحالية ومروراً بإقرار موازنة جديدة للعام الجاري بنسبة عجز منخفضة قياساً على موازنة العام الماضي والمباشرة بدراسة موازنة السنة المقبلة بنسبة عجز أقل انخفاضاً، بالتزامن مع القيام بدراسة جدية لتخفيض كلفة تشغيل الكهرباء ووضع حلول جذرية ونهائية لمشكلة الكهرباء ككل، وجردة بالتعيينات بالمراكز القضائية المهمة والتفتيش وغيرها وما تنوي الحكومة القيام به لإجراء الإصلاحات المطلوبة في قطاعات ومرافق حكومة أخرى.
ولا شك أن نتائج الزيارة الإيجابية لفرنسا ظهَّرت بوضوح، مواقف الرئيس الفرنسي العلنية وخلال الاجتماع الثنائي مع رئيس الحكومة، وهذا سيترجم عملياً بتسريع خطى الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع المعنيين من الجانب الفرنسي للمباشرة بتنفيذ قرارات «سيدر» مع الأخذ بعين الاعتبار كل الملاحظات التي ابداها الفرنسيون بالنسبة لاستكمال الإصلاحات وتأليف اللجنة المناط بها مراقبة تنفيذ المشاريع الملحوظة ضمن «سيدر» في كل مراحل التنفيذ، في حين برز اهتمام فرنسي ملحوظ من قبل كبار المستثمرين الفرنسيين وبإيجابية للمشاركة بالاستثمار في لائحة المشاريع المطروحة ضمن «سيدر».
التحرّك المهم الآخر لرئيس الحكومة باتجاه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقد يتمدد باتجاه دول خليجية شقيقة أخرى في المرحلة المقبلة من هذا التحرّك الذي يتطلب أولاً إعادة الثقة وتفعيل العلاقة اللبنانية معها بعدما أمعن بعض الأطراف السياسيين إلى الإساءة لهذه العلاقات في السنوات الماضية وآخرون كحزب الله مثلاً لم يتوقفوا عن الإساءة لهذه الدول بتسديد سيل من المواقف والاتهامات وتبرير الاعتداءات الإرهابية التي تمارسها إيران وحلفائها بالمنطقة.
وقد استطاع الرئيس الحريري بعلاقاته الأخوية الوطيدة وصداقاته مع الدول الخليجية قطع مرحلة مهمة بإعادة الحرارة إلى العلاقات اللبنانية مع هذه الدول وأولى ثمارها ستكون انعقاد مؤتمر الاستثمار اللبناني ــ الاماراتي الثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة في السابع من شهر أيلول المقبل بمشاركة رسمية عالية المستوى ومن كبار المستثمرين في دولة الإمارات لمناقشة كيفية الاستثمار بالمشاريع المطروحة ضمن مؤتمر «سيدر» ومن شأنها المساعدة في عملية النهوض بالاقتصاد اللبناني عموماً.
ثم يلي ذلك، حدثان مهمان، الأوّل انعقاد اللجنة المشتركة اللبنانية- السعودية بالرياض على جدول أعمالها المصادقة على 19 مذكرة تفاهم واتفاقية لتقوية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، والحدث الثاني مشاركة الرئيس الحريري في الدورة الثالثة للمنتدى العالمي لصندوق الاستثمارات العامة الذي ينعقد أواخر شهر تشرين الأوّل المقبل بالرياض تحت عنوان: «مبادرة مستقبل الاستثمار» وما يمثله من فرصة مؤاتية للبنان للاستفادة من جذب الاستثمار السعودي للمشاركة في رزمة المشاريع المطروحة في «سيدر» أيضاً.
في موضوع زيارة فرنسا، استطاع الرئيس الحريري تبديد كثير من الشائعات التي يروجها أطراف داخليون لغايات ومصالح سياسية ضيقة، وعاد بنتائج عبّر عنها بوضوح كلام الرئيس الفرنسي العلني، وباشر على الفور مواصلة حركة الحكومة السريعة لاستكمال رزمة الإصلاحات، إن كان بتكثيف الاجتماعات الوزارية لتسريع خطى معالجة مشكلة الكهرباء أو استئناف مناقشة جلسات دراسة مشروع موازنة العام المقبل مع كل ما يُمكن أن تتضمنه من خطوات إصلاحية مطلوبة في شتى القطاعات الحكومية، الأمر الذي يبعث برسائل إضافية مؤاتية لفرنسا وللدول المساهمة في «سيدر» ويبرهن عن جدّية الحكومة اللبنانية للإيفاء بتعهداتها والتزاماتها المضي قدماً في تنفيذ قرارات «سيدر» وتسريع الخطى بعملية النهوض.
هذه جملة التحديات التي يواجهها رئيس الحكومة، محلياً وخارجياً، وبإصرار وتسريع العمل المطلوب، وبالطبع فهي ليست تحديات سهلة، ولكنها ليست مستحيلة، وفي كل خطوة لمواجهتها عقبات وعقد من هذا الطرف أو ذاك، ومصالح سياسية تتعارض مع الإصلاحات المطروحة، ولكن بالاصرار والرغبة وبحد معقول من التفاهمات السياسية واستدراك المخاطر المحدقة بالجميع يُمكن تجاوزها أو معظمها على الأقل.
المصدر : اللواء