لا يرتاح حزب الله إلى السلوك القضائي الذي جرى التعامل به سابقًا في مسألة العميل عامر الفاخوري وسواه من “ولاد الكار”، خاصّة بعد ثبات وجود يدٍ خفيّة تعمل على إنتزاع إعترافات قضائيّة تُسقِط عن هؤلاء صفة العمالة، لكنّ حزب الله ذكي، لا يخلط الحابل بالنابل كما يفعل بعض الكتبة، أو يندفع إلى منابر الهجوم وإصدار الأحكام كما فعل بعض الإعلاميين، بل عقد عزم العقل وبدأ الحياكة بهدوء.
حتى السّاعة، لم يصدر حزب الله، بيانًا يُعلِّق فيه على قضية توقيف العميل عامر الفاخوري كما إعتاد أن يفعل في بعض الأحداث الاقليمية، ليس لأن الحزب “مش فارقة معه” وفق وجهة النظر التي تبحث عمن يتبنّاها، أو لأنّه لا يقيم للقضايا الداخلية وزنًا، بل لكونه عوَّد الجميع، أنّ لُعابه لا يسيل بحسب الموسم، بل يعمل من خلف الضجيج على تكوين وجهة نظر وإبتكار معالجات من دون جعجعة.
لم يتناول الموضوع أعلاه لا سلبًا ولا ايجابًا، ولا يبدو أنه في وارد فعل ذلك في المدى المنظور طالما أنّ الملف بات بعهدة القضاء، على الرغم من أنّ البعض يحاول حشره في الزاوية ودفعه الى إصدار موقفٍ كما يشتهي هؤلاء.
غالبًا، يبدو أنّ الظاهر من مشروعهم يمرّ أوّلاً من خلق قاعدة إشتباك وعدم ثقة بين الحزب والجيش اللبناني الذي يحبِّذ هؤلاء رمي المسؤولية على كاهله، ويتجاوزون سلسلة قضايا متشعِّبة تمرّ بها القضية.
وليس سرًّا، أنّ حزب الله ادركَ سريعًا توافر جوٍّ من هذا النوع، يسير بسرعة على وقع مخاطبة المشاعر، بل لم يعد خفيًا، أنّ ثمة آلة تريد وضع الاتهام في اتجاه واحدٍ من دون سواه، متجاهلة وجود موادٍ قانونيةٍ “ساذجة مرَّ عليها الزمن” وقرارات “وقِحة” تتحمَّل المسؤولية الأولى عن كل ما جرى، بل يجب أن ترمى تهمة توفير ملاذات آمنة لعملاء الصلاحية المنتهية على تلك القوانين وحدها.
وحزب الله الذي أعلن الحرب على الفساد ودخل في رحاب الدولة العميقة على أمل إصلاحها، من غير المعقول، أن يبدأ بذلك من خطوة ضرب المؤسسات القضائية، بل أخذ يبحث عن سبل تطويرها وجعلها منزوعة المواد المهترئة حتى تدخل في رحاب مساعدته في استئصال هذه الآفة، على ذلك جدّدَ ثقته بالقضاء العسكري في مسألة إخضاع العميل الفاخوري إلى التحقيق مجددًا.
وعلى ما يبدو، أنّ السياق المستخدم اليوم في “العسكرية” مختلف عن ذاك الذي اتُبِعَ منذ زمن، بحيث أنّ المحكمة التي اشتهرت في زمن خلا من إصدار أحكام مخفّفة على العملاء، قامت هذه المرّة بإسقاط أقسى المواد العقابية على ملف الفاخوري ما وضعه تحت سيف الإعدام في حال جرى الادعاء عليه في إحداها، وهذا تطوّرٌ نوعيٌّ لا بد أنّ يرحِّب به حزب الله.
ثم، أنّ معاون الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، عاقدُ العزم على عدم ترك قضية العميل الفاخوري تمرّ مرور الكرام، وهو بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، أوعَزَ حين أحيل الموقوف على “العسكرية” بإخضاعه الى أعلى درجة من المواد العقابية، ما يحول دون إمكانية إخلاء سبيله، ومع الاخذ بعين الاعتبار انه ولو حصل ذلك سيكون مسلطًا سيف الاستئناف بوجهه.
معنى ذلك، أنّ القضاء العسكري عازمٌ على معاودة بناء ملف جرمي لـ”الفاخوري” مختلف تمامًا عن ذاك الذي حُكِمَ على أصله عام 1996، وهنا الجيش اللبناني من خلال مديرية المخابرات، ليس بعيدًا من هذا الجو، بحيث أنّه بدأ العمل على توفير القرائن التي تُثبِّت قانونًا ولايته العسكرية على معتقل الخيام واخضاع الاسرى الى التعذيب.
من هنا، ينظر حزب الله بعين الراحة الى ما يجري في القضاء والعسكري، وهو ليس في وارد إطلاق النار على المؤسسة العسكرية الأم، لا بل انّ فصول الأيام الماضية تكشف عن عقد إجتماعات تنسيق عالية بينه وبين أمنيين يتولّون هذا الملف وغيره من الملفات شديدة الحساسيّة.
وفيما تذكر أوساط اطلعت على “جدول الاعمال” عثورها على آثار تدلّ إلى وجود توجّه لدى الجميع لإدخال تعديلات على المواد القانونية بما يحول دون تصفية وضع المطلوبين بقوة إنقضاء المدة الزمنية، عَلِمَ “ليبانون ديبايت”، أنّ لجنة خاصة من حزب الله انكبّت على دراسة بعض المواد القانونية المرتبطة بتوقيف العملاء وإنقضاء الزمن العشري أو إنقضاء المدة الزمنية، تمهيدًا إلى طرح تعديلها بقوانينٍ صادرة عن مجلس النواب.
وعلى ما يبدو، أنّ مشروع الحزب الذي بدأه على وقع إنفجار أزمة “الفاخوري”، ماضٍ به حتى الأخير، كي لا يترك أيّ باب مفتوح يسهِّل تسلّل هؤلاء الى الداخل، وكي لا تكون هذه المواد قواعد يُصلح إستخدامها من أجل خلق جوِّ لا يوحي بالثقة بين المؤسسة العسكرية وحزب الله، يمكن استخدامها في زرع أيّ خلاف بين الجانبين واستثماره لاحقًا، بخاصة وأنّ الجانبين يمتلكان معلومات توحي بإحتمال وجود توجّهٍ من هذا النوع
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح