يستغلّ بعض صغار النفوس الذين يعملون في الدوائر الرسمية المنتشرة في المناطق اللبنانية، بُعدها، عن مراكز القرار حيث يحصل التفتيش والمراقبة بصورةٍ دوريّةٍ، فيعمَد هؤلاء الى استعمال السلطة الموكلة اليهم باستنسابية “وقِحة” متجاهلين مصالح المواطن والدولة ارضاءً لجيوبهم الخاصّة.
ويعزّز المسؤولون من “فسادِ” هؤلاء الذين يجدون، أنّ المناطق البعيدة من العاصمة أو تلك التي يمكن أن تبقى بمنأى عن الاعلام، أرضية خصبة لفساد المحسوبين عليهم، فيتركونهم من دون حسيبٍ أو رقيبٍ يلجم تصرفاتهم.
ومن القضايا المُثارة اليوم، دائرة النفوس في البقاع الغربي، تلك المنطقة التي تعاني من أزمة لسنوات، يشرح أحد مخاتير غزة في حديثه الى “ليبانون ديبايت”، المصاعب التي يعاني منها المواطنون في المنطقة، حيث يحصلون على اخراج قيدهم بعد يومين “للمستعجلين”، في حين أنّ الآخرين قد تمتد المهلة في حالتهم لتصل الى أكثر من عشرة ايام.
يُعدِّد مختار غزة البقاعية، المشاكل الموجودة في دائرة النفوس في المنطقة، فهي تتوزَّع على عدد الموظفين الذي لا يتجاوز الاربعة، وما يزيد الطين بلة أيضًا سلوك مأمور النفوس الذي منع المخاتير من تقديم خبرتهم ومساعدة المواطن على انجاز معاملته ولاسيما في الاشهر التي تشهد ضغطًا كبيرًا.
ويتحدّث، عن محسوبيات لدى مأمور النفوس الذي يتعامل مع المخاتير على قاعدة ” ناس بسمنة وناس بزيت”، وفي الوقت عينه يتصرَّف على قاعدة مغايرة يهدف من خلالها الى استمرارية عمل السلطة. ورغم العدد القليل للموظفين، فقد عمد الرجل الى السفر لمدّة شهرٍ الى كندا، كما أعطى بالتزامن مع سفره، اجازة لموظفٍ آخر، الأمر الذي ارتدّ على اداء العمل في الدائرة الرسمية المُخصَّصة لاهالي البقاع الغربي وهم يعدون حوالى المئة الف نسمة يضاف اليهم حوالى الثمانين الف نازح.
تراكم الاخطاء، فرض واقعًا اليمًا على المواطن الذي يعاني من الانتظار، بل أنّ الدولة وفي خطوتها هذه، ظهرت كمساهمٍ في الارباح التي تجنيها “ليبان بوست”، اذ أنّ المواطن الذي يمكنه الاستحصال على اخراج القيد عبر الشركة خلال يومين وبرسومٍ اضافية، يستغني عن الدائرة الرسمية التي تستغرق معها ورقة رسمية اسابيع وربما اشهر.
ويكشف، عن حراكٍ يقوم به نائب رئيس مجلس النواب ايلي فرزلي وهو نائب المنطقة وابن جب جنين، حيث بادر الى لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وعده بطرحِ الملف على مجلس الوزراء بغية ايجادِ حلٍ له، ولكن المختار لا يعوِّل كثيرًا على الحراك السياسي ولاسيّما أنّ هذا الموضوع لا يزال على حاله منذ سنوات.
ويستغرب مختار غزة، تعامل مأمور النفوس مع المخاتير المنتخبين في الاساس من المواطنين، والوقائع كثيرة عن حالات “التمرير” التي يعتمدها مع بعض المخاتير والذين لا يتجاوز عددهم اصابع اليد، لاسبابٍ قال أنها تتعلق بتغطيته كونهم أعضاء في رابطة المخاتير.
ويشير في المقابل، الى أنّ الامور انتظمت قبل أيامٍ بعدما جال التفتيش في الدائرة واطلع على الاوضاع هناك.
مختار في منطقة جب جنين، رفض الكشف عن اسمه، اشار الى أنّ الامر ليس بجديدٍ فالحالة “قديمة”، الّا أنّ الجديد التغيير الذي طرأ داخل الادارة وأدّى الى تراكم السجلات.
وحذّر من الاستنسابية في التعاطي مع المخاتير، اذ أنّ البعض يستحصل في يومٍ واحدٍ على اخراج قيد في المقابل ينتظر مختار آخر من القرية نفسها عدّة اسابيع قبل أن يصله الطلب، ما يُشكِّل حساسية بين المخاتير في القرى ويؤثر عليهم مع أهل البلدة، وهذا الامر ينعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية، ووصل الامر في بعض الاحيان الى حصول اشكالات وتضارب تمكن “سعاة الخير” من فضّها.
ويكشف أحد مخاتير جب جنين، عن تكليفٍ في الفترة السّابقة من قبل القائمقام لعددٍ محدّدٍ من المخاتير من أجل مساعدة الموظفين وفق معايير تختصّ بالثقافة والكتابة وبعض الامور اللوجستية، الّا أنّ اشكالًا حصل تم بموجبه وقف هذه الآلية.
ويؤكِّد، أنّ ما فاقم الامور وزادها تعقيدًا، انتقال الطلاب من المدارس الخاصة الى الرسمية وما يعني ذلك من طلب مستندات رسمية والتي فاق عددها المئات في المنطقة وسبّب بتأخر الاستحصال على اخراج القيد بنوعيه وهذا يعود بحسب “المختار” الى سوء الادارة الموجودة.
وأمام هذا الواقع الاليم، رزمة حلولٍ يمكن أن تعالج الوضع، منها توظيف عددٍ أكبر في دوائر النفوس من أبناء المنطقة، ولاسيما أنّ منطقة البقاع الغربي تفتقد الى موظفين في دائرة الاحوال الشخصية.
وربما على أهل السلطة وتحديدًا وزارة الداخلية، البحث عن الحلول المُمْكِنة لحلّ أزمة مئات العائلات الذين “كفروا” الانتظار ساعات للاستحصال على مستندٍ رسمي، يمكن أن يأتي اليهم عبر البريد بأقلّ من يومين. فلماذا يترك المعنيّون الدوائر الرسمية في اهمالٍ مستمرٍ ويراعون الشركات الخاصّة ويمنحوها الافضلية في كل شيء؟ فاخراج القيد يطالب اليوم بـ “الخصخصة”.
“ليبانون ديبايت” – علاء الخوري