منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة، في شهر أيار من العام 2018، بدأ الحديث في الأوساط السياسية عن تباعد بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق، على خلفية ما حصل على مستوى الإنتخابات في دائرة بيروت الثانية، بالرغم من الموقف الذي عبّر عنه المشنوق، لدى الحديث عن إحتجاز الحريري في الرياض، حين ردّ على “الكلام الإعلامي” عن تعيين بهاء الحريري رئيسا للحكومة، مؤكداً أن “اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر”.
بعد الإنتخابات، لا سيما بعد أن قرر رئيس الحكومة إعتماد مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة والذي فُسّر على أساس أنه رغبة بإبعاد المشنوق عن وزارة الداخلية والبلديات، بدأ الأخير في التعامل مع تيار “المستقبل” على قاعدة “الحليف”، مبتعداً عن المشاركة في إجتماعات كتلة “المستقبل” النيابية، لكن من دون أن يظهر أيّ مؤشر على التوجه نحو الطلاق السياسي مع الحريري، الأمر الذي بدأ في الظهور منذ اسابيع وتسارعت خطواته في الفترة الأخيرة.
في هذا السياق، ترصد بعض الأوساط السياسية عدة مواقف لوزير الداخلية والبلديات السابق، تؤكد على الذهاب نحو هذا التوجّه في خطى سريعة، أبرزها كان في الرد على ما نُقل عن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في شهر أيار الماضي، حول السنية السياسية، حين اعتبر أن هناك تمادياً في السكوت عن هذا الكلام، محملاً الحريري مسؤولية ما يحصل بالقول: “أنا أعرف أن عيد الأضحى يكون مرّة في السنة، وليس كل أيام السنة عيد الأضحى”.
ومنذ بداية الشهر الحالي، يمكن التوقف عند الحركة الأكبر، التي بدأت من احتفال بالحجاج أقامته “الحملة السعودية اللبنانية”، حين فتح باب النقاش حول “استراتيجية دفاعية تعيد للبنان مواصفات الدولة الطبيعية”، ثم بالرد على خطاب أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي رأى أنه يجب أن نطالبه “بحق تقرير المصير، بعدما حسم مصائرنا في حروب المنطقة وأزماتها”.
هذه المواقف على الصعيد الداخلي، لا يمكن أن تنفصل عن أخرى كان قد أطلقها وزير الداخلية والبلديات السابق، تتعلق بالتموضع السياسي المحلي، عبر مقال صحافي بعنوان: “أكتاف نبيه برّي”، وتغريدات تؤكّد التضامن مع رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط، بعد السجال الذي رافق حادثة قبرشمون، وصولاً إلى الجزم، في التموضع الإقليمي، بالتأكيد أننا “لسنا جزءاً من المشروع الإيراني ولن نكون”، وتحميل إيران مسؤولية الإعتداء على أرامكو، والمطالبة بردّ عربي وإسلاميّ ودولي متماسك وحاسم.
من وجهة نظر هذه الأوساط، هذه المواقف تعتبر بمثابة بداية العودة إلى الملعب السياسي من جانب المشنوق، الذي حسم، بحسب ما يُنقل عنه، بأنه هو والحريري لن يلتقيا سياسياً، لكن حتى الساعة لم يظهر المدى الذي قد تذهب إليه هذه الحركة، إنما الكثير من الأسئلة تطرح حول هذه المواقف، بعد أن كان يعتبر، من وجهة نظر الكثيرين، بأنّه من أبرز العاملين على التسوية الرئاسيّة مع “التيار الوطني الحر” وسياسة “ربط النزاع” مع “حزب الله”.
على هذا الصعيد، ملاحظات المشنوق كانت قد بدأت منذ ما قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة، تعود من حيث المبدأ إلى تاريخ التعيينات الإدارية والقضائية في الحكومة السابقة، وإلى موقفه من قانون الإنتخابات الذي كان قد وصفه بأنه “قانون قابيل وهابيل”، بالإضافة إلى المناوشات على طاولة مجلس الوزراء مع باسيل، في حين أن المواقف التي كان ينتقد عليها، في الشارع السني، كانت بتكليف من رئيس الحكومة، بالتحديد مشاركته في جلسات الحوار في عين التينة، بالإضافة إلى عضو كتلة “المستقبل” سمير الجسر، والمدير السابق لمكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، لكن أين يكمن إعتراض وزير الداخلية والبلديات السابق الأساسي؟.
يوصف المشنوق بأنه ليس رجل معارك، بل على العكس من ذلك لا يعارض التسويات السياسية، لكنه يرفض ألاّ تكون على أساس صلب أو على أساس الثوابت، عند هذه النقطة يمكن تحديد المفصل في الخلاف مع الحريري، أي الإعتراض على إدارة التسوية القائمة، حيث يرى أن هناك فريقاً يأخذ ولا يعطي وآخر يعطي على حساب الثوابت.
في المحصلة، كل المعطيات تؤشر إلى أن نهاد المشنوق في طور الإنتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، تقوم على أساس تكريس التباعد مع سعد الحريري، ستكشف الأيام المقبلة المدى الذي قد تذهب إليه، لا سيّما مع تسارع الأحداث على الساحتين المحليّة والإقليميّة.