جدد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، بعد إعادة انتخابه رئيساً لـ«التيار الوطني الحر»، التذكير بـ«وجوب المناصفة في وظائف الدولة بكل درجاتها بين المسلمين والمسيحيين، وليس فقط وظائف الفئة الأولى»، كما ينص الدستور.
أتى ذلك في وقت يفترض أن يبحث البرلمان، الشهر المقبل، في تفسير المادة 95 من الدستور المتعلقة بالمناصفة، بهدف تعديلها، حسب الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى مجلس النواب.
ومن المتوقع أن يتوحد موقف النواب المسلمين ضد طرح عون، وصولاً إلى انقسام جديد بين أهل السلطة على خلفية طائفية. ويقول الوزير السابق سجعان قزي لـ«الشرق الأوسط»، إن «لبنان قائم على جمع الطوائف للمشاركة في الحكم. إلا أن المشكلة أصبحت تتعدى الطوائف إلى زعماء يفتقدون الحس الوطني والمسؤولية الأخلاقية. وتجمع الطوائف قبل عام 1975 أنتج دولة ومؤسسات. وكانت الشكوى أقل مما هي عليه اليوم. وقد تغير الوضع على الصعيدين الإسلامي والمسيحي بسبب الزعماء الحاليين». ولفت إلى أنه «لا يمكن للمسيحي اللبناني أن يخطو خطوة باتجاه دولة مدنية ما لم يتقدم المسلم قبله نحو هذا الاتجاه، لأن لبنان في محيط متطرف سنياً وشيعياً. والحالات القومية العربية التي قادها المسيحيون مطلع القرن الماضي سقطت أمام التطرف الديني».
ويقول رئيس «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» زياد عبد الصمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللغط الذي يحصل بشأن المادة 95 يكمن في المحاصصة من خلال الطائفية السياسية لوظائف الدولة. والنظام الحالي يفرز حكومة طوائف في بلد يتحكم بأحواله الشخصية 15 قانوناً مختلفاً. والحديث عن تعديل المادة 95 قد يلغي التوزيع الحالي، لكنه يبقي هيمنة الطوائف».
ويحذر عبد الصمد من «إثارة حقوق الطوائف، بما قد يؤدي إلى الصراع العددي. وأخطر ما يثيره بعض السياسيين المسيحيين اليوم هو الكلام عن حقوق المسيحيين، والإضاءة على أمور ليست من مصلحتهم، ليُذَكروا الآخرين الذين أوقفوا العد بواقع الديموغرافيا الحالي. كما أن الصراع في المنطقة القائم على تحالف الأقليات يسيء إلى مسيحيي لبنان، إن هم انخرطوا فيه. فهم سكان لبنان قبل قدوم المسلمين، وهم أسسوا الدولة اللبنانية، وحقوقهم هي في الدفاع عن هذه الدولة، وليس المطالبة بحصة أكبر، وعليهم الانتباه إلى أنهم في بلد رماله متحركة. وحصة المسيحيين لا يستفيد منها المسيحيون كشعب، وإنما من يدعي أنه المسيحي الأقوى، المشكوك أصلاً بقوته».
ويذكِّر قزي بـ«أننا نعيش في نظام ديمقراطي بكل شوائبه. والذين يملأون الدولة بالمناصب هم نتاج المواطن الذي انتخبهم. والدولة أفضل من المواطن. وحينما يأتيها رجال شرفاء وأقوياء تتقدم، في حين أن المواطن كلما أُعطي فرصة، يختار، وبكل وعيه، الأسوأ ليمثله، أو هو يختار الأشخاص نفسهم الذين كان يشكو منهم، عندما يمارس حقه في الانتخابات. والمفارقة أن دولة تعتمد النظام الديمقراطي تسلك طريق التراجع إلى 40 سنة خلت. بالتالي تقع مسؤولية هذا التراجع على الشعب. لو أن الدولة ديكتاتورية، يمكن اتهام الحاكم بما يحصل فيها».
إلا أن عبد الصمد يشير إلى أن «الصيغة المتوارثة منذ عام 1943 تغلِب حقوق الطائفة على حقوق المواطنة. والمواطن الذي يتحكم به قانون أحوال شخصية طائفي، لا مكان يحتمي به ويحفظ له حقوقه إلا الطائفة، فالمواطنون مجردون من أي حقوق أخرى، وتحديداً بوجود قانون انتخاب عاطل».
ويرى الكاتب والباحث سعد كيوان، في ندوة أقامها «مركز بوليتكا»، أنه «كلما كان المسيحيون ينكفئون، أو يساوم أحدهم على الثوابت بخيارات طائفية أو فئوية، كان مصيرهم التهميش، أو الغرق في الإحباط. فمعركة استعادة سيادة الدولة وقرارها الحر لم تنته، إذ اندفع فريق مسيحي إلى التحالف مع من يقيم دويلة داخل الدولة، أي مع “حزب الله” الذي يعمل على تسلم القرار اللبناني، ويمنع قيام الدولة، ويضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية».
وسأل: «ماذا حل اليوم بحقوق المسيحيين الذين يدعي التيار المسيحي الأقوى المطالبة بها بعد مضي ثلاث سنوات على وجود عون في السلطة؟ مواجهة مع الدروز، وابتزاز للسنة، ونار تحت الرماد مع قسم من الشيعة، واستياء لدى الأرثوذكس، وخلاف مع معظم العرب… فهل حقوق المسيحيين ودورهم يختزل بالاستئثار بالسلطة؟ وهل المطلوب رئيس مسيحي صوري لدولة سليبة القرار؟».
المصدر : ام تي في