المصدر : ليبانون ديبايت’
ينفض الجيش اللبناني يده من إتهام التورّط في ‘تنظيف’ البرقية 303 التي تضم أسماء مطلوبين خطيرين في مجالي العمالة لاسرائيل والتعامل مع الإرهاب. اصلاً، الجيش ليس مدار شبهة أبدًا لا يحتاج إلى حكم براءة ما دامَ أنه ينخرط ضمن معادلة الشعب والمقاومة وصون لبنان.
الحديث الدائر بين أكثر من صالون، يشير إلى حصول تعديل طاول البرقية 303، بل أنّ البعض ذهب نحو الكشف عن وجود محاولة لـ’سحب’ ٦٠ عميلاً مدرَجين على البرقية و’تنظيف سجلاتهم’، يقف خلف تلك المحاولات نافذون في الدولة.
لا بل أنّ البعض، ذهب بعيدًا في إتهاماته مركزًا تصويبه نحو جهة محددة سلفًا، مستغلاً ضلوع ضابط برتبة عميد في تقديم ‘تسهيلات’ الى العميل عامر الياس فاخوري الذي فضح أمر ‘التنظيفات’ في البرقية المشار إليها، وصولاً إلى جعل الاتهام مرتكزًا الى ثالوث يضم: رئيس الجمهورية، وزير الدفاع وقائد الجيش اصحاب الصلاحية الوحيدة في الضم والفرز في البرقية.
وفي قضية العميد ‘أ.يوسف’، تشير معلومات التحقيق الأولية، أنّ العميل الفاخوري أوقف بتاريخ 4/9/2019 في مطار رفيق الحريري – بيروت، ثم أخلي سبيله في اليوم نفسه بعدما تم الحجز على جواز سفره الأميركي.
وبعد أربعة أيام، أي بتاريخ 8/9/2019، جرى استدعاؤه إلى مركز الأمن العام، فحضر بصحبة العميد المذكور بعدما طلب منه بحكم القرابة التي تجمعهما من جهة الزوجة، أن يساعده فى استرداد جواز سفره، وهذا ما حصل.
لكن مصادر متابعة، تُسقِط فرضية ضلوع رئاسة الجمهورية في تنظيف ‘السجلات’ من اساسها، مشيرة، إلى أنّ البرقية 303 عبارة عن ‘تعميم داخلي’ يخص قيادة الجيش وحدها، من دون تدخل من اي جهة كانت، وهذه البرقية ‘الجاري العمل بها من خارج اي نص قانوني’ وتشمل قائمة بأسماء المطلوبين الخطيرين في مجالي العمالة والإرهاب.
مسألة ‘العمل بها من خارج أيّ نص قانوني’ تثير الريبة، وكأنّ البرقية تمارس وسط اجواء امنية غير قانونية يقف خلفها الجيش وحده، ليتبين بعد التدقيق أنّ الحكومة اللبنانية هي من أوقفت التعامل بها. ما يعني أنّ عملية التنظيف الجاري الحديث عندها، بدأتها الحكومة بمن تمثل من أحزاب وليس احدًا سواها.
تعود الأحداث إلى حكومة رئيس الوزراء السابق تمام سلام، التي اتخذت في جلسة مؤرخة في 24 تموز 2014 قرارًا يتضمّن موافقة المجلس على إلغاء وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع الصادرة حتى تاريخه عن الأجهزة العسكرية والأمنية، اي تلك غير الخاضعة للسقوط بمرور الزمن، والتي ترفد البرقية 303 بالاسماء.
وقد طلب من الجيش والمؤسسات الامنية كافة وقف التعامل بها. مثلت هذه الخطوة الاولى على طريق تنظيف سجلات العملاء والمطلوبين الكبار.
ومع رفض المؤسسة العسكرية للتدبير الجديد، عملت الحكومة على إحتواء الموقف من خلال تشكيل لجنة لدراسة الأسماء تضم فضلاً عن قيادة الجيش، كل من وزارات الدفاع والداخلية والعدل، لكن هذه اللجنة لم تلتئم ابدًا، لا بل سلك مسار ‘إسقاط مدرجات البرقية’ طريقه نحو التنفيذ.
بعد عدة اعوام، أصدرت النيابة العامة التمييزية قرارًا، نصّ على إسقاط جميع الأسماء عن البرقية ٣٠٣ ووقف العمل بها، وقد جرى تعميم المضمون على كافة الاجهزة الامنية والعسكرية المحلية.
لكن قيادة الجيش وجدت في الأمر إنتقاصًا من الدور الأمني وإنكشافًا للداخل. ومن خارج المألوف، عقدت تفاهمًا مع المديرية العامة للأمن العام، قام على التعاون في مجال الاسماء وإبلاغ المؤسسة العسكرية في حال حضور أيّ منها إلى المطار. من جانب آخر، شكلت قيادة الجيش في ذلك العام لجنة داخلية هدفت الى غربة الأسماء، ورفعت معايير تحكم التعاطي مع الحالات.
الأول قام على أساس الإبقاء على إسم أي عميل مدرجًا ضمن البرقية في حال فرّ إلى دولة العدو ونال جنسيتها وحاز الاقامة فيها.
الثاني شطب اسماء العملاء الذين قرّروا مغادرة دولة الاحتلال نحو دول أخرى. لكن هذا لا يعني بالضرورة إسقاط حق التحقيق معهم.
فقد ورد في النص، أنّ هؤلاء وفي حال عودتهم الى لبنان، يجري توقيفهم وإحالتهم إلى مديرية المخابرات بعد نيل إشارة النيابة العامة العسكرية، حيث تتكفل المديرية بإجراء تحقيقات معهم وبناء ملف جديد لكل منهم، وفي حال ثبت أنهم ضالعين في عملية قتل مواطنين أو مقاومين أو ممارسة تعديات، تُعاد محاكمتهم مرة اخرى، وهذا المعيار ينطبق على الذين يخرجون من دولة الاحتلال لاحقًا نحو دول أخرى ويحاولون بعدها دخول لبنان.
ومن الجدير، لفت النظر، الى أنّ شطب الاسم عن البرقية 303 لا يحجب ظهور الاسم في اللوائح الإلكترونية كمطلوبٍ سابق، بما معناه أن لا إمكانية مطلقًا لطمس هوية الأسماء حتى ولو تم نزعها عن البرقية.
وفي مسألة العميل عامر الياس الفاخوري، تذكر مصادر المحكمة العسكرية لـ’ليبانون ديبايت’، أنه وبتاريخ 3/8/2018 سقط الحكم الغيابي عنه بمرور الزمن العشري، وقد تبلغت بالقرار كافة الجهات الامنية، علمًا، أنّ محاميًا معينًا من قبله هو من تولى العمل في هذا الملف.. وعلى هذا الأساس أوعز وكيله اليه دخول الأراضي اللبنانية.
من هنا، تعيد المصادر التذكير، أنه لولا ورود اسم العميل فاخوري في ‘اللوائح الإلكترونية’ كمطلوب سابق وارد اسمه على البرقية 303، لما كان الأمن العام تمكن من توقيفه مرّة أخرى.
ثم أنّ الاشارة التي اعطيت من قبل المحكمة العسكرية ثم مذكرة التوقيف التي صدرت عنها لاحقًا، تؤكد، أنّ صوابية المنحى الذي اعتمد منذ العام 2017، اي عرض المطلوبين بهذه التهم مرة جديدة على التحقيق ومعاودة بناء ملفاتهم بأدلة جديدة تتيح اعادة محاكمتهم