جاء إدراج الخزانة الأميركية مصرف جمّال ترست بنك و3 شركات تابعة له على لائحة العقوبات “مُدَجَّجاً” بالرسائل والدلالات التي دَهَمت المشهد في بيروت المسكونةً بـ”كوابيس حربية” من وحي المواجهة “على حافة الانفجار” بين حزب الله وإسرائيل.
ولم يكن ممكناً فصل “العقاب” الأميركي لجمّال ترست بنك بتهمة توفير خدمات مالية ومصرفية لمؤسسات تابعة لحزب الله عن “النَقْلة النوعية” التي شكّلتها إغارة إسرائيل بطائرتين مسيّرتين في قلب الضاحية الجنوبية فجر الأحد الماضي بعيد تَسَبُّبها بمقتل اثنين من عناصره في عقربا السورية.وبدا واضحاً أن التشدّد الأميركي بـ”عصا” العقوبات المتدحرجة وما يشبه “الإنزال” خلْف خطوط التطمينات التي كانت ركنت إليها بيروت حول أن القطاع المصرفي ومؤسساته ليس في مرمى “الحِساب”، يأتي على “الموجة نفسها” من “التَمَدُّد” الإسرائيلي عسْكرياً في استهداف إيران وأذرعها في سوريا والعراق ثم لبنان.
وفي رأي أوساط مطلعة أن “التلازم المُتَعَمّد” على هذا الصعيد يشي بأن القرار الأميركي – الإسرائيلي برفع منسوب تضييق الخناق على حزب الله من ضمن مسار “اللعب على المكشوف” الذي دخله “التطاحن” مع إيران وأذرعها، بات يضع لبنان بين “فكي كماشة”:
– أولاً لجهة كيفية التعاطي مع تداعيات “الصدمات المتلاحقة” التي يرجّح أن تتوالى من بوابة العقوبات التي تأتي في توقيتٍ مالي – اقتصادي بالغ “الحراجة” وبات يتطلّب جهداً أقرب إلى “الجراحة” لتفادي الانهيار، وهو ما تعبّر عنه طاولة الحوار الاقتصادي التي تلتئم غداً في القصر الجمهوري في محاولة للتوافق على “استراتيجية إنقاذ”.
– ثانياً مخاطر انزلاق وضعية “الإصبع على الزناد” بين حزب الله وتل أبيب إلى انفجار كبير بحال أي “جرعة زائدة” في سياق عملية “مداعبة التنين” التي يمارسها الطرفان، إسرائيل تحت سقف المرحلة الجديدة التي أطلقتْها وبدا أنها أخذت معها “بيدها” قرار تفكيك مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله في لبنان وفق زعمها، والحزب بسعيه إلى ردّ “انتقامي” يعيد إسرائيل إلى مربّع قواعد الاشتباك التي كانت سائدة منذ 2006 ويرسم “خطَّ دفاعٍ من نار” حول السلاح الاستراتيجي الذي يشكّل في آن واحد أحد أبرز “بنوك أهداف” المواجهة المتعددة الطبقة مع إيران وجزءاً من “الاحتياط الاستراتيجي” في أي حوارٍ وتسوية ولو بعد حين.
ولم يكن عابِراً أن يظهّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سريعاً الترابط بين محاولة “الإطباق” المالي والعسكري على حزب الله ومن خلفه إيران، إذ رحّب بقرار واشنطن إدراج جمّال ترست بنك والشركات التابعة له على لائحة الإرهاب كونه يمثّل “جهة مصرفية رئيسية لحزب الله ويتمتع بتاريخ طويل ومستمرّ في تقديم مجموعة من الخدمات المالية لهذه الجماعة الإرهابية”.
وإذا كان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لمّح إلى أن هذا التطوّر ستكون “له تتمة” بكلامه عن أن “تصنيفَ مصرف جمال ترست بنك على لائحة العقوبات يعكس عزمنا على محاربة نشاطات حزب الله غير الشرعية والإرهابية في لبنان”، معلناً أن “واشنطن ستستمر باستهداف أشخاص ومؤسسات ضالعة في تمويل وتقديم الدعم للحزب”، فإن التعاطي الرسمي مع المسار التصاعُدي من العقوبات يشي بأنه سيقتصر على “أخذْنا عِلْماً” ومحاولة حصر الأضرار سواء بتأكيد أن أموال المودعين الذين لا شبهات حولهم بالنسبة لواشنطن محفوظة ومؤمّنة، أو السعي لاحتواء الإشاعات حول «مَن التالي» على لائحة المطلوبين، بإشاعة أن لا مصارف أخرى موضوعة على جدول العقوبات.
ويبدو أن “إدارة الظهر” الرسمية لـ”الصفعة” الأميركية تنطلق من “تسليم” لبناني بعدم القدرة على “تغيير حرف” في المسار المتدرّج الذي تعتمده واشنطن، كما من فصْل الولايات المتحدة بين قرار تصفية جمّال ترست بنك (وهو ثاني مصرف منذ 2011 يتعرّض للعقوبات بعد اللبناني – الكندي الذي اتُّهم حينها بالتورط في تبييض الأموال) وبين القطاع المصرفي الذي أبْدى مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي الثقة به، معتبراً أن “إجراءات العديد من المصارف اللبنانية الأخرى تحافظ على الأمل في وجود قطاع مالي مستقر وسليم وعلى الاستثمار الأجنبي في البلاد أيضاً”.
كما حرصت مصادر مطلعة على الغمز من قناة ملامح سياسة “عصا وجزرة” أميركية تجاه لبنان ارتسمتْ من خلال تسهيل واشنطن، بعد قرار معاقبة جمّال ترست بنك والذي تضمّن اتهاماً لنائب حزب الله أمين شري (أُدرج أخيراً على لائحة العقوبات) بأنه “ينسّق النشاطات المالية الخاصة بالحزب مع المصرف”، تمرير قرار التمديد لقوة اليونيفيل في مجلس الأمن من دون أي تعديل في مهماتها ولا عددها ولا موازنتها، وهو القرار الذي كان محور اتصال بين رئيس الحكومة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي سمع من سعد الحريري أن لبنان “يحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن اعتدائها غير المبرر وغير المسبوق على منطقة سكنية مأهولة في الضاحية منذ العام 2006، إضافة الى خرقها المتكرر للقرار 1701”.