Loading

wait a moment

No data available!

العونيّة – الباسيلية تستمر في إقصاء قدامى مناضلي “التيار”

بعد قرار فصل رمزي كنج، أحد رموز العونية منذ بدايتها إلى تأسيس “التيار”، لم يصدر عن كنج أي كلام سوى أنه لا يدري أسباب هذا القرار. وفي اتصال مع “المدن”، كان همّه أن يُزال من خبر “طرده” بعضاً من محتواه وتفاصيله، وربما برغبة ألا يكون هناك خبر أصلاً. لم يشأ كنج أن يفصح عن رأي ولا أن يعبّر عن أي رد فعل. وهذا ربما من حرصه على البقاء في الحالة العونية كما يعهدها في بدايات تأسيسها.  

وربما لم يعرف لبنان في تاريخه الحديث زعامة تقنّعت، في ظروف مؤاتية، بشعارات وطنية عامة مدارها “السيادة والحرية والاستقلال”، وكانت غايتها المستبطنة الوصول إلى السلطة وسدة الحكم والرئاسة، مثل زعامة العماد ميشال عون في عريها من الملامح والأهداف السياسية والاجتماعية.

انقلاب الجنرال العائد
فما أن تمكنت الحركة الاستقلالية والسيادية اللبنانية من الوصول إلى غايتها – جلاء الجيش السوري عن لبنان، بفعل اغتيال رفيق الحريري، وأدى جلاؤه إلى عودة العماد ميشال عون من منفاه الباريسي إلى بيروت سنة 2005 – حتى سارع العماد العائد إلى الانقلاب على الحركة الاستقلالية، وعلى مناضلي “التيار” ومؤسسيه من الطلاب والشباب المسيحيين الناشطين في غيبته طوال 15 سنة، وكان شعارها الأوحد: تحرير لبنان من الاحتلال السوري.

كانت خطوة الجنرال الانقلابية الأولى اختصار التيار بشخصه وصهره وبطانته اللصيقة، وتوقيعه اتفاق “التفاهم” الشهير مع الحزب الإيراني الخميني المسلح في لبنان. وذلك بعدما أمضى سنوات نفيه الباريسية يطلق التصريحات والشعارات النارية ضد هذا الحزب وراعييه، سوريا الأسد وإيران الخمينية، ويدير كوادر “التيار الوطني الحر” ومؤسسيه في غيابه، باتصالاته الهاتفية اليومية بهم، متبعاً أسلوب تأليب بعضهم على البعض الآخر، كي يظلوا منقادين له موجِّهاً، وليظل مرشد تيارهم وإمامه وحاكمه الأوحد، والمحكّم بين ناشطيه القياديين. وهذا ما رواه أعضاءٌ من قدامى مؤسسي ” التيار” عندما كان الجنرال في المنفى، ونُشرت شهاداتهم في كتاب “أقنعة المخلص: شهادات في الشّيعةِ العونية وإمامها” لوضاح شرارة وكاتب هذه السطور (“دار النهار”، 2009).

الرؤيا القيادية
أما المناسبة الراهنة لاستعادة هذه الوقائع القديمة، فهو إقالة عضو “التيار” القديم المؤسس رمزي كنج – الشيعي وسليل إحدى عائلات ضاحية بيروت الجنوبية “الأصليين” – من عضويته، من دون أن يعلم أسباب إقالته، على ما قال كنج في اتصالٍ هاتفي مع “المدن”.

والحق أن موجات الخروج والانشقاق عن “التيار” ظلت متواترة تواتر الإقالة والإقصاء منه، منذ عودة الجنرال المظفرة إلى لبنان. وربما كانت موجة الخروج والانشقاق والإقصاء الأكبر تلك التي حدثت بعد الخلوة التي عقدها “التيار” لهيئته التأسيسية القديمة في فندق رست هاوس – الرابية في 18 آب 2005، وضمت مجموعة الكوادر القياديين في المناطق والقطاعات النقابية والطلابية والشبابية، في حضور العماد عون وكان جدول أعمالها مناقشة النظام الداخلي لـــ “حزب التيار” المزمع إنشاؤه آنذاك، ليكون “حزباً” جديداً للتسلق إلى النيابة والوزارة وسدة السلطة.

وفي شباط 2008 وصف عضو في هيئة التيار التأسيسية ما دار في تلك الخلوة على النحو التالي: “جلس العماد عون على منصة أفردت له قبالة نحو مئتين من الكوادر القياديين في التيار، فأخذ يشرح وجهة نظره ونهجه الجديدين اللذين يمكن تلخيصهما في النقاط التالية: المناضلون الجيدون ليسوا بالضرورة قادة جيدين. المشاركون في تظاهرات ونضالات الأمس لا يحق لهم بالضرورة المشاركة في قرارات التيار اليوم. لا يظننّ أحد من قدامى التيار أن العائدين سوف يكونون خدماً لهم، وهو استرشد في هذا بقول لزعيم الحزب السوري القومي بعد عودته إلى لبنان من مهجره في أميركا الجنوبية. وأنا لا أؤمن بالديمقراطية، بل بالرؤيا القيادية، بعدما صارت مجموعات التيار الناشطة بين 1990 و 2005، وتضم نحو ألف ناشط، سداً منيعاً في وجه عشرات الألوف من الراغبين الجدد في الانتساب إلى التيار. وهناك هوة سحيقة بيني وبين التيار الذي عليه أن يتبعني، لأنه مقصّر وفقدت ثقتي به”.

السياسة كذب وخداع
عضو مؤسس آخر حضر الخلوة روى ما دار فيها على الوجه الآتي: “وقف العماد عون قائلاً: الآن يا شباب بدنا نشتغل سياسة. وقت النضال والمقاومة خلص. بدنا ندخل الحياة السياسية. والسياسة كلها كذب وخداع وخبث. وحين انتبه الجنرال أن كلامه هذا وقع علينا وقوع المفاجأة، استدرك قائلاً: اليوم لم يعد الوقت وقتكم. أنتم شباب أوادم، وأنا صار بدي (…) غيركم”.

وختم العضو المؤسس نفسه شهادته هذه بالكلام على “الصرخة الخلاصية التي أطلقها العماد عون من قصر بعبدا سنة 1988، والتي أدت إلى حربين مدمرتين، وانتهت على نحو دموي ساحق، وفرار الجنرال. ثم دخل المجتمع المسيحي في حال من سبات وقنوط عميقين طوال 15 سنة، حاولنا في أثنائها، نحن قدامى العونيين، تجديد الصرخة وإحيائها، لئلا تموت. لكن ما فعلناه لم يولّد وعياً سياسياً، بل حميّة نضالية إرادوية وصورة موهومة عن أنفسنا ونشاطاتنا التي كنا نضخمها في مخيلاتنا، فنتصور أن توزيع منشور وكتابة شعار على جدار في الليل، وإطلاق أبواق سياراتنا في الطرق والأنفاق، والسير مئاتٍ في تظاهرات، تصنع ثورة شاملة. وفي سنوات أحلامنا النضالية المحمومة، كان الناس من حولنا، ومنهم أهلنا، ينظرون إلينا نظرتهم إلى شبان مغامرين. وأظن أن اغتيال رفيق الحريري أزعج العماد عون، لأنه كان يحلم برئاسة الجمهورية في حضوره، كي يقلّم أظافره ويقوّض زعامته وجهاً لوجه في رئاسة مجلس الوزراء، مستنداً إلى تأييد وولاء مسيحيين كاسحين في ظل وصاية سورية مستمرة على لبنان. وفي هذا السياق يمكن فهم التحريض العوني المستطير ضد الحريري، ومعزوفته المتواصلة عن الفساد. كأن بقايا التركة السورية من حزب الله إلى سليمان فرنجية وعمر كرامي ووئام وهاب وطلال أرسلان وغيرهم من الذين حالفهم العماد بعد عودته من المنفى، أطهارٌ وبُناه العلمانية ولبنان الحر والمستقل، وكأن الحريري وإرثه وحدهما الشر كله”.

… وتصوّف سلطوي
والشيعة العونية “المتصوفة ومناضلوها المرابطون، ولّدت – حسب وضاح شرارة – كتلة من السياسيين التقليدين الجدد، توّج بهم القائد العائد من المنفى، على غير توقع، مسير شيعته النضالي. فمزج في الكتلة قدامى الضباط، ورجال الأعمال، والمهنيين والمثقفين الطارئين. وسند مزيجه هذا بجدران تقليدية وقديمة مجربة ومعروفة. ووصل بين الأجزاء والشطور بوَصلته هو، أي بقيادته التاريخية، وبالتالي قد لا تكون الأحصن، صرف المشايعين (القدامى) الذين حسبوا، في أثناء اجتياز الصحراء، أنهم الأئمة، وأنهم الوارثون”.

ومذاك استمر الانشقاق عن “بطل التحرير” المتصوف، والذي لا دور له هو شخصياً فيه. كما استمر صهره في صرف وإقصاء من همشتهم صوفية الجنرال السلطوية، حالماً (الصهر العتيد) في وراثتها. وكان آخر المقصيين رمزي كنج… فمن سيأتي دوره بعده؟

المصدر : المدن

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *