نظّمت حركة التجدد الديموقراطي بالتعاون مع مؤسسة كونراد آديناور الالمانية حلقة نقاش تحت عنوان “الدعم الاقتصادي الدولي للبنان: كيف لا نفرّط بفرصة سيدر؟” تم خلالها عرض ومناقشة تقرير أعدّه فريق من الخبراء داخل وخارج لبنان حول أبعاد وحدود هذا الدعم. وشارك في الحلقة نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، النائبان نقولا نحاس والياس حنكش، رئيس حركة التجدد الديموقراطي فاروق جبر، مدير مكتب بيروت في مؤسسة كونراد آديناور الدكتور مالته غاير وممثلون عن القطاعات الاقتصادية والمجتمع المدني.
جبر
استهلت الجلسة بكلمة ترحيبية لرئيس حركة التجدد فاروق جبر قال فيها: يأتي هذا التقرير في سياق متابعة منهجية من قبل برنامج السياسات في حركة التجدد لمسار مؤتمر “سيدر” منذ انطلاقته، بهدف المساهمة في بلورة رؤية وطنية متقاربة وجدول اعمال فعلي للإصلاح الاقتصادي عبر اشراك أوسع طيف من الجهات المعنية اللبنانية والدولية. وقد بدأت هذه المتابعة بالتزامن مع انعقاد سيدر العام الماضي ثم تواصلت مع سلسلة من اللقاءات واوراق السياسات مع تركيز خاص على الاصلاحات الضرورية المرافقة لآلية “سيدر” وعلى وسائل تفعيل قطاعات الانتاج ورؤية الحكومة للنهوض الاقتصادي.
غاير
ثم كانت كلمة للدكتور مالته غاير شدد فيها على أهمية حلقة النقاش هذه التي تسمح برؤية الامور بطريقة أفضل في ما يختص بالوضع الاقتصادي في لبنان، كي يتمكن المجتمع الدولي المعني بمساعدة لبنان على الاستمرار بهذا الدعم على اسس واضحة، مع تبيان حقيقة المعطيات التي يمكننا البناء عليها.
مهنا
ثم عرض أمين سر حركة التجدد أيمن مهنا الخطوط العريضة للتقرير الذي كان قد أعده بمشاركة الخبير الاقتصادي جريمي عربيد وبإشراف الدكتور انطوان حداد، مستهلا حديثه بالسؤال: ما الذي يدفع 17 دولة ومؤسسة دولية كبرى إلى المشاركة في اجتماع مخصص لدعم دولة متوسطة الدخل تحتل المرتبة العالمية الـ٨٣ من حيث الحجم الاقتصادي، والمرتبة ١٣٨ وفق مؤشر مدركات الفساد، وتُعتبر ثالث أكثر بلد مثقل بالديون على سطح الأرض؟ واضاف أن هذا التقرير يحاول الاجابة عن هذه الأسئلة من خلال عرض لمحة عامة عن التزامات لبنان وشركائه الدوليين خلال مؤتمرات باريس ١ و٢ و٣ ومؤتمر “سيدر”؛ ثم وصف وتحليل موقف الشركاء الدوليين تجاه إيفاء لبنان بالتزاماته أو تخلّفه عن ذلك.
يرتكز القسم الأول على استعراض مستفيض للوثائق والتشريعات والوقائع والأرقام التي واكبت مؤتمرات باريس ١ و٢ و٣ و”سيدر”، وتَبعتها. أما القسم الثاني فهو مبني على اجتماعات عُقدت مع مسؤولين في مقرّ الرئاسة الفرنسية، ووكالة التنمية الفرنسية، والسفارة الفرنسية في بيروت، ووزارة الخارجية الألمانية، فضلاً عن تصريحات وتقارير صادرة عن مسؤولين أوروبيين، وممثلي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفقا للتقرير، تشير المعطيات السياسية والضريبية والنقدية والمالية المتواصلة منذ انعقاد “سيدر” إلى تقييم سلبي ثابت للأداء الاقتصادي في لبنان كما للتصنيف الائتماني من قبل معظم المؤسسات الرئيسية. ويبدو شركاء لبنان الدوليون واعين للمخاطر والعواقب المقترنة بتراجع كل المؤشرات المالية، كما انهم يتشاركون في التخوّف من أنّ أي أزمة مالية سيترتب عليها آثار متعاقبة تفضي، في نهاية الأمر، إلى أزمة سياسية وأمنية.
ويلفت التقرير الى انه لم يصدر حتى الآن عن السلطات اللبنانية أي إشارة قوية تدل على أنها مدركة لضرورة معالجة نقاط الضعف الأكثر إلحاحاً على وجه السرعة. خصوصا أن العنصر الأساسي المفقود ليس تقني الطابع بل يتمثل بانعدام الإرادة السياسية لوقف استنزاف الموارد العامة التي استفادت منها الأحزاب الحاكمة لسنوات وشكّلت طريقةً تحافظ من خلالها على سلطاتها عبر الزبائنية وتمويل عملها الحزبي. ويضيف انه في غياب الإرادة السياسية اللازمة لإجراء الإصلاحات، يُتوقع أن يتّخذ لبنان إجراءات قصيرة المدى فقط، تكون بمثابة الحلّ الأسهل، أي مجموعة من الضرائب الجديدة وإجراءات خفض الإنفاق التي ستضر بالطبقتين الفقيرة والوسطى ومزيد من الهندسات المالية من قبل المصرف المركزي.
من شأن هذه الخطوات، يقول التقرير نقلا عن المسؤولين الدوليين، أن تخفض إنفاق المستهلكين وتعطل النمو الاقتصادي وتقوّض عامل الثقة أكثر فأكثر. ويحدث كل ذلك بالرغم من التحذيرات الشديدة والمتكررة على لسان الشركاء والمانحين الدوليين والمؤسسات المتعددة الأطراف والوكالات الدولية للتنصيف الائتماني. من هنا، لن ينفك هؤلاء الشركاء الدوليون يحثون السلطات اللبنانية على تغيير مسارها وتطبيق برنامج الإصلاحات المتفق عليه، مع احتفاظهم بحرية إعادة توجيه الأموال المتعهد بها لمشاريع أخرى في دول أخرى. غير أنّ هذا النهج المتّبع الذي يحاول الشركاء الدوليون، بموجبه، تحفيز لبنان على اتّخاذ الخطوات المنطقية المعقولة للإصلاح وتفادي الكارثة لن ينجح من دون مشاركة وقيادة محلية.
ويختم التقرير: فهل سيتحرك لبنان قبل فوات الأوان؟
حداد
ثم بدأت جلسات المناقشة بإدارة نائب رئيس حركة التجدد أنطوان حداد التي استهلها بمداخلة جاء فيها: ان “سيدر” يشكل فرصة للبنان للاستفادة من تسهيلات مالية مهمة لتحديث البنى التحتية والخدمات العامة المتهالكة، لكن ذلك لن يتم من دون اصلاحات فعلية وشفافة. والمفارقة أن جزءاً كبيراً من هذه الاصلاحات يمكن ان يتحقق بمجرد تطبيق القانون، والامثلة عديدة على ذلك خصوصاً في قطاعي الكهرباء والاتصالات حيث توجد قوانين اصلاحية تفرض وجود هيئات ناظمة وهذه القوانين معطلة بقرار من الوزراء المعنيين منذ سنوات وبصمت وتساهل كي لا نقول تواطؤ من قبل مجلسي الوزراء والنواب وسائر المسؤولين.
وإضاف ان النزيف المالي الأكبر يتأتى من خروج النشاط الاقتصادي سنة بعد أخرى من كنف القانون، حيث ان الاقتصاد الموازي، كالتهريب والتهرب الضريبي والمقالع والكسارات والمخدرات والاتجار بالبشر وخرق الملكية الفكرية وتبييض الاموال وغيرها، بات يشكل نحو 30 بالمئة من حجم الاقتصاد الوطني. واوضح ان تنفيذ الاصلاحات، ومنها اعادة عمل الوزارات والقطاعات الاقتصادية الى كنف القانون، كفيل بتأمين ايرادات مالية كافية لجعل لبنان يستغني خلال سنوات قليلة عن اي مساعدة خارجية، لأن لبنان لا ينقصه الموارد بل اعادة الثقة وحكم القانون. لكن المشكلة ان تنفيذ الاصلاحات سوف يحرم قوى اساسية مشاركة في السلطة من جزء كبير من مواردها وامتيازاتها ومصادر تمويل ماكيناتها الحزبية.
وختم حداد ان البلاد تقترب من كارثة اقتصادية محدقة، قد تقع خلال اسابيع او أشهر اذا لم يتم تدارك الوضع، متسائلا: هل ان اقتراب الكارثة كفيل بأن تعيد هذه القوى والاحزاب النظر في ممارساتها؟
نحاس
ثم كانت مداخلة النائب نقولا نحاس فقال: نحن اليوم نقترب من النهاية لأن هذا النظام الانتمائي عاجز أن يأتي بإصلاح اقتصادي، خصوصا أن القانون الانتخابي الاخير جاء ليثبت هذا النظام الطائفي دون أي خيار ديموقراطي، فيما ان اتفاق الطائف أعطانا حرية الانتقال من هذا النظام الى نظام ديموقراطي فاعل. فهذا النظام الانتمائي الذي نعيش فيه لا يوجد اقتصاد في العالم يستطيع ان يتحمله او يخدمه، لأنه غير قادر على انتاج قرار على الصعيد الوطني ولا يستطيع جمع وتفعيل طاقات البلد، هو نظام يقسم ولا يجمع.
وأضاف: عندما نحلل ارقام وزارة المال، ونسمع آراء المؤسسات الدولية عن التدني الهائل في وضعنا الاقتصادي على المستوى العالمي، وحيث نجد أنه منذ 1992 وحتى اليوم نحن على نفس النتيجة من العجز والمداخيل اقل من المصاريف، فهذا يعني أن هذا النظام السياسي فاشل وعلينا أن نعي ذلك حتى يمكن لنا أن نخرج من الازمة. في المقابل، لا يوجد إدراك لحقيقة واقعنا، فحادثة قبرشمون كانت قبر للمسؤولية. يجب ان ندرك ايضا حقيقة “سيدر”، فهو لم يعطنا اموالا بل اعطانا وعودا. “سيدر” يعني القيام بالإصلاح وتفعيل المؤسسات، نحن لا نستطيع الاستدانة. “سيدر” يبدأ عندما نقيم نحن كمسؤولين حلقة نقاش صريحة كمثل هذه الحلقة للتفاهم على اليات الاستفادة من هذه الفرصة، وحيث علينا اولا وقبل اي شيء معالجة نبع آفة الفساد.
حنكش
ثم كانت مداخلة للنائب الياس حنكش الذي قال: احدى وكالات التصنيف الدولية التي تصدر تقريرها قريبا وجهت 60 سؤالا الى المسؤولين اللبنانيين نصفها في السياسة، والسؤال الأهم هو عن القضاء اللبناني. اذ يوجد امر اساسي معطل في لبنان، ونتعايش معه للأسف الشديد منذ فترة طويلة، وهو تسييس وعدم استقلالية القضاء. واضاف: لا يمكننا القيام بأي اصلاح اذا لم تنتظم الحياة السياسية في لبنان من خلال استقلالية القضاء. تكلمتم عن الاجهزة الرقابية والهيئات الناظمة ودورها الرئيسي في تنظيم العمل المؤسساتي، في مقابل التقشف الذي ورد في الموازنة على هذه الاجهزة الرقابية وتهميش دورها بدل دعمها. المشكلة هي هي، اي فقدان الجدية عند السلطة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة. لدينا استحقاق كبير وكلنا نشعر مدى الصعوبة التي نواجهها في ظل قلة إدراك مع حكومة معطلة في اسوأ مرحلة يمر بها لبنان.
وكانت مداخلات لكل من الخبراء والناشطين سامر دبليز، لوري حايطايان، المحامي كريم ضاهر، الدكتور ميشال دويهي، داني حداد، الدكتور نسيب غبريل، الدكتور مازن سكاف، طوني شويري والمهندس ميشال عقل.
حاصباني
واختتمت الحلقة بمداخلة لنائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني عرض فيها رؤيته للخروج من الازمة، وجاء فيها:
“سيدر” ليس عصا سحرية، لكنه جزء من منظومة حلول للازمة المالية والاقتصادية. وهو شبيه بمؤتمرات باريس الثلاثة السابقة لكنه يختلف بالاسم والأهمية الموضوعة على الاصلاحات كشرط مسبق للتمويل. وفي جزء منه يتضمن قروضا ميسرة لا يعطى عادة للبلدان ذات التصنيف المماثل للبنان كبلد متوسط الدخل، ولكن اعطيت لنا بسبب ما يعانيه لبنان من ازمة النزوح. وإذا تحركت آلية “سيدر” وبدأنا تحضير المشاريع لرفعها الى الجهات المختصة لعرضها من اجل الموافقة عليها، أولا من قبل الدول او الهيئات الداعمة ثم ذهابها الى اللجان المتخصصة ثم الى البنك او الصندوق الداعم للتمويل وبعدها الى مجلس الوزراء ثم مجلس النواب، فهذه تحتاج الى فترة طويلة. إذا تم كل شيء على ما يرام لن نرى أي دعم مالي محقق اليوم بل بعد فترة طويلة.
الان في المباشر لا يوجد اموال من “سيدر” من اجل البنى التحتية في هذه السنة او السنة القادمة، والاعتماد على “سيدر” كحل وحيد لكل المشاكل الاقتصادية غير سليم. المشكلة الاساسية ليست التمويل. للتذكير فقط، نحن لدينا قرابة 3 مليار دولار قروض من البنك الدولي قبل “سيدر” مجمدة منذ سنوات ولم تنفذ. لماذا؟ لأن الجزء المحلي من التمويل لم يكن مؤمنا وقد يكون للمحاصصات وتحديد والاولويات دور في هذا التأخير، فآن الأوان لتنفيذها فورا.
إذاً المشكلة ليست مشكلة تمويل بل مشكلة سوء ادارة، فنحن عندنا قطاع اتصالات ما زالت ارباحه عالية، ونسبة استخدام الداتا فيه من الاعلى في العالم، وتقدر قيمة هذا القطاع اذا ما تم تخصيصه وبيعه بين 6 الى 8 مليار دولار يمكن ان تدخل الى خزينة الدولة دفعة واحدة، كما أن مرفأ بيروت اذا ما تم تخصيص ادارته يدخل فوق المليار دولار. اضافة الى تخفيض العجز في ملف الكهرباء، يمكن ان نصل الى ما يفوق 11 مليار دولار، اي ما يوازي وعود “سيدر”. فبمجرد اعتماد مثل هذه الخطة الاصلاحية نعيد الثقة الدولية ونستقطب الاستثمارات ونطفئ الجزء الاكثر كلفة من الدين العام ونزيد العائدات الضريبية وغيرها من الايجابيات. وتكون أموال “سيدر” الداعم الاساسي للاستثمار في البنى التحتية.
في هذا السياق، تقدمت مؤخرا باقتراح من 10 نقاط كفيلة بوضعنا على سكة الحل، وفي مقدمها جباية الرسوم الجمركية بشكل صحيح التي يمكن ان تدخل أكثر من مليار دولار اضافية سنويا، وذلك عبر اعتماد البيان الجمركي من المصدر اضافة الى ضبط الحدود والمعابر، الشرعية وغير الشرعية، كما علينا الشروع فورا باصلاح المؤسسات العامة وتنظيم وتحديث هيكلياتها وصولا الى تخصيصها او تشركتها مع إلغاء بعضها.
الاشكالية الاولى هي الفساد حيث قوى سياسية مختلفة تشتبك مصالحها مع بعضها، ثم المحاصصة السياسية. وقد أصبح اليوم من يطالب بتطبيق القانون “معرقلا” او مفترئا ومن يدخل في الصفقات الاتفاقات الجانبية هو داعما للاصلاح.
وأضاف حاصباني: “سيدر” ليس خشبة الخلاص، انما هو عنصر مساعد للتمويل إذا التزمنا الاصلاحات المطلوبة. اما إذا بقينا نحاول اقامة اصلاحات شكلية مثل محاولة تجاوز او تحوير او تعديل قوانين مثل ادارة قطاعي الكهرباء والاتصالات لنسف دور الهيئات الناظمة للإبقاء على القرار في يد السلطة السياسية، فما هو السبب المقنع؟ فبدل أن يكون التنافس على مواجهة الوضع الاقتصادي وايجاد الحلول يكون الصراع اليوم أكثر على السلطة، وبالتالي يصبح مشروعا السؤال الاتي: ماذا سيحصل قريبا والى اين نذهب؟ برأيي ان على لبنان مساعدة نفسه اولا كي يتمكن الآخرون من مساعدته.