في ظاهرة بالغة الأهمية، وذات مدلولات استراتيجية، ما زال الجيش يُشكّل جسر إجماع وتفاعل بين اللبنانيين، رغم كل الانقسامات والصراعات المحتدمة على المسرح السياسي.
لقد بقيت هذه المؤسسة الوطنية الصرح الوحيد في الوطن الذي لم تنخره سوسة الطائفية اللعينة، التي تحوّلت بقدرة قادر إلى مرتع استثماري بشع للعديد من السياسيين، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث طغى الخطاب الطائفي الشعبوي عند بعض أهل الحكم على كل ما عداه من المفاهيم الوطنية، والمبادئ السامية التي قامت عليها تجربة «الوطن الرسالة».
وفي ظل هذا المناخ السياسي الموبوء بشتى أمراض التعطيل والعجز، أصبح الجيش هو العنوان الأساس للوحدة بين اللبنانيين، في وقت تهيمن عوامل التفتيت والشرذمة على الجسم السياسي، الذي يقتات قادته من المعارك الدونكيشوتية المفتعلة، تحت شعار الدفاع عن الطائفة ودورها، وهم في الواقع يدافعون عن مصالحهم الفئوية والأنانية.
ومع تزايد تعثر السلطة، وتراجع دور الدولة وهيبتها، بقي الجيش الضمانة الأولى للأمن والاستقرار في البلد، والمؤسسة التي تقدّم التضحيات والشهداء دفاعاً عن أمن الوطن والمواطنين، من شر المنظمات الإرهابية وأعمالها التي حاولت زرع الرعب في بيروت والمناطق الأخرى في السنوات الأخيرة، قبل أن يتم طرد الجماعات الإرهابية من جرود القلمون وعرسال في عملية «فجر الجرود».
وكشفت الطبقة السياسية عن جحودها تجاه العسكريين البواسل، والمؤسسة الوطنية الكبرى برمتها، عندما تواطأ أهل الحل والربط على الرواتب التقاعدية للعسكريين، وعندما حجبوا التمويل عن ضرورات التجهيز والتسليح والتدريب للجيش بحجة خفض العجز في موازنة العام 2019، في حين أبقوا على رواتب الوزراء والنواب وكبار الموظفين على حالها، كما أقروا مخصصات الرئاسات الثلاث من دون أي تخفيض، فضلاً عن تجاهل ملفات الهدر والفساد التي تستنزف مئات المليارات من الليرات من مالية الدولة.
وأكدت حكمة وشجاعة القيادة الحالية للجيش مدى ترسّخ ثقافة الانضباط لدى الجيش اللبناني، في زمن تكاد تصبح فيه المؤسسات العسكرية هي أداة التغيير للأنظمة السياسية المتهالكة في المنطقة.
عيد الجيش، هو عيد الوطن كما كتب الرئيس ميشال سليمان في افتتاحية «اللواء» اليوم، هو عيد جميع اللبنانيين، باستثناء السياسيين الفاسدين!
المصدر : موقع اللواء