غيب الموت المطران أسبيريدون خوري، متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الارثوذكس السابق عن عمر ناهز 93 سنة، أمضى 80 سنة منها في سلك الكهنوت، و 49 سنة في سدة الابرشية قبل ان يتقدم من المجمع الانطاكي المقدس، في حزيران 2015، بطلب اعفائه من رعاية ابرشيته بسبب الشيخوخة التي اقعدته عن القيام بمهامه.
وفي ما يلي السيرة الذاتية للمطران الراحل:”اسمه الاساسي سليمان. ولد بتاريخ 30 تشرين الاول عام 1926، في مدينة اوبرلنديا، التابعة لولاية ميناس جيرايس، في البرازيل. حيث كان والده، توما يعقوب الخوري، قد سافر اليها حوالي العام 1922 مع زوجته هيلانة عبد النور وسائر افراد العائلة، وترتيبه الخامس بين شقيقيه كميل وخليل، وشقيقاته لوريس وليلى وجولي. عاشت العائلة في البرازيل حتى العام 1931، عندما آثر والده العودة الى بلدته بينو، بسبب الضائقة الاقتصادية التي عانت الكثير منها تلك البلاد، والعالم باسره.
مع عودته الى بلدته الاصلية بينو، التحق سليمان بمدرستها الكائنة على تلة دير مار سركيس، ليتمم دروسه الابتدائية.
وكان يرافق، خلال الآحاد والاعياد والمراسم الدينية، جده لوالدته نقولا الى كنيسة القديس ثاودوروس شفيع البلدة، حيث كان مرتلا فيها، ويساعد الكهنة، فكان سليمان يعيش روح الايمان متأثرا بجده، لتظهر عليه علامات التقوى والميل الى اتباع سبل الرب يسوع، وكلما كبر زادت فيه قناعته، الى ان دخل سلك الكهنوت.
انتسب الى مدرسة البلمند الاكليركية اواخر العام 1938، ليدرس اللاهوت، واسس الطقوس الدينية والخدمة الكنسية. وبقي فيها اقل من سنة ونصف السنة، عندما اقفلت هذه المدرسة مطلع العام 1940 بسبب الحرب العالمية الثانية. انتقل الى مدرسة “الآسيّة” الارثوذكسية في دمشق وبقي فيها تى نهاية 1941. ثم غادرها متوجها الى دير القديسة تقلا في بلدة معلولا السورية حيث استقر حتى نهاية العام 1942، لينتقل بعدها الى المدرسة الغسّانيّة الارثوذكسية في حمص، وينتظم طالباً في الابتداء في سلك الكهنوت.
مع انطلاقه في الدراسة اللاهوتية كطالب ابتداء، اتخذ لنفسه إسم إسبيريدون تيمناً بالقديس العجائبي إسبيريدون. راح يجد في تحصيله العلمي، فنال الشهتدة المتوسطة في عام 1945، وتابع تعليمه ليفوز العام 1947 بشهادة البكالورية السورية، التي تسمى “الموّحدة. ثم عهد اليه بتدريس مادة الجغرافيا ورسم الخرائط في المدرسة الغسّانيّة الارثوذكسية للبنات.
في خريف العام 1948، ارسله البطريرك الكسندروس طحان، الى العاصمة الفرنسية باريس، ليدرس اللاهوت والفلسفة في معهد القديس سرجيوس الروسي، مدة خمس سنين. نال بنهايتها شهادة الاجازة في اللاهوت، ودرجة جيد على اطروحته التي كانت حول الكتاب المقدس بعنوان: “المصادر اليهودية- المسيحية لكتابات لوقا الانجيلي في الاصحاحات الثلاثة الاولى من انجيله، ومن اعمال الرسل”.
خلال وجوده في باريس لم يكتف بدراساته اللاهوتية بل انتسب ايضاً الى المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحديثة، ودرس اللغة والادب الروسيين طوال ثلاث سنوات، واتقنهما وترجم بعض المقالات اللاهوتية، ومنها كتابه “مائدة الرب”. بعد انجازيه الدراسيين المذكورين، عرض عليه عميد المعهد آنذاك المطران كاسيانوس وبالحاح ان يتابع تخصصه في “العهد الجديد”، فقبل ذلك وباندفاع. لكن غبطة البطريرك طحان رفض طلبه “بحجة الحاجة اليه في الكرسي الانطاكي”، وطلب منه العودة الى دمشق، فحزم امتعته وعاد مطيعاً اوامر رئيس كنيسته اواخر العام 1953.
في العام 1954، تسلم ادارة اكليركية البلمند الصغرى، وبقي فيها مدة سنة واحدة الى جانب الارشمندريت قسطنطين بابا ستيفانو، الذي اصبح مطران بغداد والكويت وتوابعهما، ومعهما الاخ جورج خضر، اي المطران جاورجيوس خضر، لتبدأ مع الاخير صلة ودّ طيبة. مع مطلع العام 1955، تولى ادارة الاكليركية بمفرده لمدة سنة اضافية، وقد سامه البطريرك طحان خلال ذلك العام شماساً انجيلياً في دير سيدة صيدانيا. ثم عاد غبطة البطريرك وكلف الاسقف ملاتيوس الصوتي في آذار 1956 بسيامته كاهناً في الكنيسة المريمية بدمشق ويقوم بخدمة رعية بلدة مرمريتا في وادي النصارى.
كان لمسيرته حتى ذاك التاريخ اثرها لدى المسؤولين الكنسيين حائزاً ثقتهم وتقديرهم، فكان من نتيجة ذلك ترقيه السريع إذ انه بعد شهر واحد على سيامته الكهنوتية رقيّ في نيسان 1956 الى رتبة ارشمندريت.
خدم الارشمندريت اسبيريدون رعية مرمريتا بتفان حوالي 9 اشهر، ولم يكتف بواجباته الدينية بل تخطاها الى الخدمة الاجتماعية، فأسس جمعية نسائية اسماها “الجمعية الخيرية للسيدات” التي بنت مدرسة للبلدة. لكن الغصة اصابت ابناء هذه البلدة عندما طلبت منه رئاسته الروحية بان يغادرها ويتوجه الى مدينة سان باولو في البرازيل ليخدم كنيستها العامرة بالعديد من اللبنانيين والعرب من الطائفة الارثوذكسية. فقبل ذلك التعيين عملاً بقانون الطاعة الكنسية، لكن عراقيل كثيرة واجهته ما اضطره الى تأخير سفره، فعهد اليه بخدمة الرعايا، لاسيما في بيروت وجبل لبنان ثم في بلدة صوفر، واسس “نادي صوفر الاجتماعي” التابع للكنيسة الارثوذكسية للشبان والشابات لايمانه بالشباب وضرورة العمل معهم، واستمر يشجعهم لاسيما خلال فصل الصيف ولسنتين متتاليتين.
لم ينس الارشمندريت إسبيريدون بلدته بينو- قبولا، فكان يزورها كل يوم جمعة، لاسيما بين عاميّ 1955 و 1957، وكان يقوم خلال زيارته بمهام التعليم الديني، فساهم عمله ذاك في حضور السكان الدائم الى الكنيسة، ما اسبغ على بلدته جواً من الحياة الروحية وصلت اصداؤها الى مطران عكار وتوابعها آنذاك ابيفانوس زايد فوجه الى الارشمندريت اسبيريدون الشكر والتقدير قائلاً “لن أنسى كل حسن صنيعك هذا ابداً”.
اواخر العام 1958، إنتخب الارشمندريت اغناطيوس فرزلي مطراناً على أبرشية سان باولو وتوابعها، وكان يتولى خدمة كنيسة سيدة النياح في الاسكندرية، فكلّف البطريرك طحان الارشمندريت إسبيريدون رعاية “كنيسة العرب أو الشوام” حسب التعبير المصري، فانتقل اليها في كانون الاول وبقي يخدم هذه الكنيسة ورعيتها مدة 5 سنوات.
في مطلع العام 1964 أستدعاه البطريرك ثيودوسيوس أبو رجيلي، وكلفه التعليم في اكليركية البلمند مجدداً، يوم كان الاسقف إغناطيوس هزيم رئيساً لها.
راح يزاول مهامه بكل اندفاع وتقوى فلفت نظر مطران طرابلس والكورة وتوابعهما الياس قربان فآثر الاستعانة به في ابرشيته، وطلب منه ان يكون وكيلاً عاماً، فاستلم شؤون تلك الابرشية من آذار 1964 حتى تشرين الاول 1966.
في 17 أيلول عام 1966، شغرت كرسي أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما بوفاة المثلث الرحمات المطران نيفن سابا.
فانتخب المجمع الانطاكي المقدس، الذي التأم في دير مار الياس شويّا، بالاجماع الارشمندريت إسبيريدون خوري مطرانا عليها، وتمت سيامته في 9 تشرين الاول من العام 1966.
الوكالة الوطنية